قوله تعالى : { أم يقولون } بل يقولون { افتراه } وقيل الميم صلة ، أي : أيقولون افتراه استفهام توبيخ . وقيل : أم بمعنى الواو ، أي : ويقولون افتراه . وقيل : فيه إضمار ، مجازه فهل يؤمنون ، أم يقولون افتراه ، ثم قال : { بل هو } يعني القرآن ، { الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم } يعني : لم يأتهم ، { من نذير من قبلك } قال قتادة : كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس ، ومقاتل : ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم . { لعلهم يهتدون* الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون* }
وكل واحد من هذه من الأمور العظائم ، قال اللّه - رادًا على من قال : افتراه : -
{ بَلْ هُوَ الْحَقُّ } الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد . { مِنْ رَبِّكَ } أنزله رحمة للعباد { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } أي : في حالة ضرورة وفاقة لإرسال الرسول ، وإنزال الكتاب ، لعدم النذير ، بل هم في جهلهم يعمهون ، وفي ظلمة ضلالهم يترددون ، فأنزلنا الكتاب عليك { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } من ضلالهم ، فيعرفون الحق فيؤثرونه .
وهذه الأشياء التي ذكرها اللّه كلها ، مناقضة لتكذيبهم له : وإنها تقتضي منهم الإيمان والتصديق التام به ، وهو كونه { مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وأنه { الْحَقُّ } والحق مقبول على كل حال ، وأنه { لَا رَيْبَ فِيهِ } بوجه من الوجوه ، فليس فيه ، ما يوجب الريبة ، لا بخبر لا يطابق للواقع{[679]} ولا بخفاء واشتباه معانيه ، وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة ، وأن فيه الهداية لكل خير وإحسان .
وقوله : أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ يقول تعالى ذكره : يقول المشركون بالله : اختلق هذا الكتاب محمد من قِبل نفسه ، وتكذّبه و «أم » هذه تقرير ، وقد بيّنا في غير موضع من كتابنا ، أن العرب إذا اعترضت بالاستفهام في أضعاف كلام قد تقدّم بعضه أن يستفهم بأم . وقد زعم بعضهم أن معنى ذلك : ويقولون . وقال : أم بمعنى الواو ، بمعنى بل في مثل هذا الموضع ، ثم أكذبهم تعالى ذكره فقال : ما هو كما تزعمون وتقولون من أن محمدا افتراه ، بل هو الحقّ والصدق من عند ربك يا محمد ، أنزله إليك ، لتنذر قوما بأس الله وسطوته ، أن يحلّ بهم على كفرهم به ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ منْ قَبْلكَ يقول : لم يأت هؤلاء القوم الذين أرسلك ربك يا محمد إليهم ، وهم قومه من قريش ، نذير ينذرهم بأس الله على كفرهم قبلك . وقوله : لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ يقول : ليتبّينوا سبيل الحقّ فيعرفوه ويؤمنوا به . وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ قال : كانوا أمّة أُمّيّة ، لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله { أم يقولون } إضراب ، كأنه قال بل أيقولون ، و { افتراه } اختلقه ، ثم رد تعالى على مقالتهم هذه وأخبر أنه { الحق } من عند الله ، واللام في قوله { لتنذر } يجوز أن تتعلق بما قبلها ، ولا يجوز الوقف على قوله { من ربك } ويجوز أن تتعلق بفعل مضمر تقديره أنزله لتنذر فيوقف حينئذ على قوله { من ربك } ، وقوله { ما أتاهم من نذير } أي : لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب ، وقوله تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }{[9401]} [ فاطر : 24 ] يعم من بوشر من النذر ومن سمع به فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه لأنها علمت بإبراهيم وبنيه ودعوتهم وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس ومقاتل : المعنى لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام{[9402]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.