تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (3)

الآية 3 وقوله تعالى : { أم يقولون افتراه } قوله { أم يقولون } هو استفهام وشك في الظاهر .

لكنه من الله يخرّج على تحقيق إلزام وإيجاب أو تحقيق نفي على ما لو كان ذلك من مستفهم ومسترشد ، كيف يجاب له ، ويقال فيه ؟ فإنما يقال للمستفهم : لا أو بلى .

فعلى ذلك هو من الله على تحقيق إثبات وإيجاب أو تحقيق نفي ؛ إذ لا يحتمل الاستفهام والسؤال كقوله : { أم للإنسان ما تمنى } [ النجم : 24 ] كأنه قال : ليس للإنسان ما تمنى .

فعلى ذلك كأنه قال ههنا : بل يقولون افتراه . ثم رد ما قالوا : إنه افتراه ، فقال : { بل هو الحق من ربك } يحتمل قوله : { هو الحق من ربك } ليس بمخترع ولا مخترق ولا مفترى من محمد . بل منزه من عند الله على ما ذكرنا في قوله : { لا ريب فيه من العالمين } أو { هو الحق من ربك } ليس بكلام البشر ، ولا في وسعهم إتيان مثله . فهو الحق منه { لا يأتيه الباطل من بين يديه } /420-أ/ الآية [ فصلت : 42 ] .

وقوله تعالى : { لتنذر قوما } أي لتنذر بالكتاب الذي أنزل { قوما ما أتاهم من نذير من قبلك } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : على الجحد أي لتنذر قوما لم يأتهم نذير ، وهم أهل الفترة الذين كانوا بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم .

والثاني : { لتنذر قوما } الذين قد أتاهم نذير من قبلك ، وهم آباؤهم وأجدادهم الذين كانوا من قبله ، الذين قد أتاهم نذير من قبلهم( {[16343]} ) ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لعلهم يهتدون } هذا أيضا يحتمل وجهين :

أحدهما : لتنذر قوما لكي تلزمهم به حجة الاهتداء .

والثاني : لتنذر قوما على رجاء وطمع أن يهتدوا ، والله أعلم .


[16343]:في الأصل وم: قبله.