فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (3)

و{ أم } في { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } هي المنقطعة التي بمعنى بل ، والهمزة ، أي بل أيقولون هو مفترى ؟ فأضرب عن الكلام الأوّل إلى ما هو معتقد الكفار مع الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ ، ومعنى { افتراه } افتعله واختلقه ، ثم أضرب عن معتقدهم إلى بيان ما هو الحق في شأن الكتاب ، فقال : { بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبّكَ } فكذبهم سبحانه في دعوى الافتراء ، ثم بيّن العلة التي كان التنزيل لأجلها ، فقال : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } وهم العرب وكانوا أمة أمية لم يأتهم رسول . وقيل : قريش خاصة ، والمفعول الثاني { لتنذر } محذوف ، أي لتنذر قوماً العقاب ، وجملة : { ما أتاهم من نذير } في محل نصب على الحال ، و { من قبلك } صفة لنذير . وجوّز أبو حيان أن تكون ما موصولة ، والتقدير : لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك ، وهو ضعيف جدّاً ، فإن المراد : تعليل الإنزال بالإنذار لقوم لم يأتهم نذير قبله ، لا تعليله بالإنذار لقوم قد أنذروا بما أنذرهم به . وقيل المراد بالقوم : أهل الفترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } رجاء أن يهتدوا ، أو كي يهتدوا .