قوله { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } لأنّ قولهم : هذا مفترى ، إنكار لأن يكون من رب العالمين ، وكذلك قوله : { بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبّكَ } وما فيه من تقدير أنه من الله وهذا أسلوب صحيح محكم : أثبت أولاً أن تنزيله من رب العالمين ، وأن ذلك ما لا ريب فيه ، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } لأن «أم » هي المنقطعة الكائنة بمعنى : بل والهمزة ، إنكاراً لقولهم وتعجيباً منه لظهور أمره : في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه ، ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك . ونظيره أن يعلل العالم في المسألة بعلة صحيحة جامعة ، قد احترز فيها أنواع الاحتراز . كقول المتكلمين : النظر أوّل الأفعال الواجبة على الإطلاق التي لا يعرى عن وجوبها مكلف ، ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه ، فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك ، ثم يعود إلى تقرير كلامه وتمشيته .
فإن قلت : كيف نفى أن يرتاب في أنه من الله ، وقد أثبت ما هو أطم من الريب ، وهو قولهم : { افتراه } ؟ قلت : معنى { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أن لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله : لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك عنه وهو كونه معجزاً للبشر ، ومثله أبعد شيء من الريب . وأما قولهم : { افتراه } فإما قول متعنت مع علمه أنه من الله لظهور الإعجاز له ، أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه : { مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } كقوله : { مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } [ يس : 6 ] وذلك أن أن قريشاً لم يبعث الله إليهم رسولاً قبل محمد صلى الله عليه وسلم .
فإن قلت : فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة . قلت : أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا ، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم ؛ لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } فيه وجهان : أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } [ طه : 44 ] على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام ، وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.