ولما كان هذا{[54454]} الذي قدمه أول السورة على هذا الوجه برهاناً ساطعاً ودليلاً قاطعاً على أن هذا{[54455]} الكتاب من عند الله ، كان - كما حكاه البغوي{[54456]} والرازي في اللوامع - كأنه قيل : هل آمنوا به ؟ { أم يقولون } مع ذلك الذي لا يمترئ{[54457]} فيه عاقل { افتراه } أي تعمد كذبه .
ولما كان الجواب : إنهم ليقولون : افتراه ، وكان جوابه{[54458]} : ليس هو مفتري لما هو مقارن له من الإعجاز ، ترتب عليه قوله : { بل هو الحق } أي الثابت ثباتاً لا يضاهيه ثبات شيء من الكتب قبله ، كائناً { من ربك } المحسن إليك بإنزاله وإحكامه ، وخصه بالخطاب إشارة إلى{[54459]} أنه لا يفهم حقيقته حق الفهم سواه .
ولما ذكر سبحانه إحسانه إليه صلى الله عليه وسلم صريحاً ، أشار بتعليله إلى إحسانه به{[54460]} أيضاً إلى كافة العرب ، فقال مفرداً النذارة لأن المقام {[54461]}له بمقتضى{[54462]} ختم لقمان : { لتنذر قوماً } أي ذوي{[54463]} قوة جلد ومنعة وصلاحية للقيام بما أمرهم به { ما أتاهم من نذير } أي رسول في هذه الأزمان القريبة لقول ابن عباس رضي الله عنهما{[54464]} ان المراد الفترة ، ويؤيده إثبات الجار في قوله : { من قبلك } أي بالفعل شاهدوه أو شاهده آباؤهم . وإما بالمعنى والقوة فقد كان فيهم دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن لحي ، وكلهم كان يعرف ذلك وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يعبد صنماً ولا استقسم بالأزلام ، وذلك {[54465]}كما قال{[54466]} تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }{[54467]}[ فاطر : 24 ] أي شريعته ودينه ، والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر - نبه على ذلك أبو حيان{[54468]} . ويمكن{[54469]} أن يقال : ما أتاهم من ينذرهم على خصوص ما غيروا من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وأما إسماعيل ابنه عليه السلام فكان{[54470]} بشيراً لا نذيراً ، لأنهم ما خالفوه ، وأحسن من ذلك كله ما نقله البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أن ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد نقل عيسى عليه السلام لما أرسل رسله{[54471]} إلى الآفاق أرسل إلى العرب رسولاً .
ولما ذكر علة الإنزال ، أتبعها علة الإنذار فقال : { لعلهم يهتدون* } أي ليكون حالهم في مجاري العادات حال من ترجى هدايته إلى كمال الشريعة ، وأما التوحيد فلا عذر لأحد فيه بما{[54472]} أقامه الله من حجة العقل مع ما أبقته الرسل عليهم الصلاة والسلام آدم فمن بعده من واضح النقل بآثار دعواتهم{[54473]} وبقايا دلالاتهم{[54474]} ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه : " أبي وأبوك في النار{[54475]} " وقال : " لا تفتخروا بآبائكم الذين مضوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما تدحرج الجعل خير منهم{[54476]} " في غير هذا من الأخبار القاضية بأن كل من مات قبل دعوته على الشرك فهو للنار{[54477]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.