قوله تعالى : { إن الذين لا يرجون لقاءنا } ، أي : لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا . والرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ، { ورضوا بالحياة الدنيا } ، فاختاروها وعملوا لها ، { واطمأنوا بها } : سكنوا إليها . { والذين هم عن آياتنا غافلون } ، أي : عن أدلتنا غافلون لا يعتبرون . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : عن آياتنا عن محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن { غافلون } معرضون .
{ 7 - 8 } { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا } أي : لا يطمعون بلقاء الله ، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون ، وأعلى ما أمله المؤملون ، بل أعرضوا عن ذلك ، وربما كذبوا به { وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا } بدلا عن الآخرة .
{ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا } أي : ركنوا إليها ، وجعلوها غاية مرامهم{[391]} ونهاية قصدهم ، فسعوا لها وأكبوا على لذاتها وشهواتها ، بأي طريق حصلت حصلوها ، ومن أي وجه لاحت ابتدروها ، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها ، فكأنهم خلقوا للبقاء فيها ، وكأنها ليست دار ممر ، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون ، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون .
{ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } فلا ينتفعون بالآيات القرآنية ، ولا بالآيات الأفقية والنفسية ، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة ، عن المدلول المقصود .
يقول الله تعالى مخبرًا عن حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة ولا يرجون في لقاء الله شيئا ، ورضوا بهذه الحياة الدنيا{[14071]} واطمأنت إليها أنفسهم .
قال الحسن : والله ما زينوها ولا رفعوها ، حتى رضوا بها وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها ، والشرعية فلا يأتمرون بها ، بأن مأواهم يوم معادهم النار ، جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام ، مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر .
القول في تأويل قوله تعالى : { إَنّ الّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدّنْيَا وَاطْمَأَنّواْ بِهَا وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلََئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة ، فهم لذلك مكذّبون بالثواب والعقاب ، متنافسون في زين الدنيا وزخارفها ، راضون بها عوضا من الاَخرة ، مطمئنين إليها ساكنين . وَالّذِينَ هم عن آيات الله ، وهي أدلته على وحدانيته ، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له غَافِلُونَ معرضون عنها لاهون ، لا يتأملونها تأمل ناصح لنفسه ، فيعلموا بها حقيقة ما دلتهم عليه ، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون . أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ يقول جلّ ثناؤه : هؤلاء الذين هذه صفتهم مأواهم مصيرها إلى النار نار جهنم في الاَخرة . بِمَا كَانُوا يَكْسِبونَ في الدنيا من الاَثام والأجرام ويجترحون من السيئات . والعرب تقول : «فلان لا يرجو فلانا » : إذا كان لا يخافه . ومنه قول الله جلّ ثناؤه : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقارا . ومنه قول أبي ذؤيب :
إذَا لَسَعَتْهُ النّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها *** وخالَفَها فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : واطْمَأنّوا بِها قال : هو مثل قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وَزِينَتَها نُوَفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إنّ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدّنْيا واطْمأَنّوا بِها قال : هو مثل قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وَزِينَتَها نُوَفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدّنْيا واطْمأَنّوا بِها وَالّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ قال : إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح ، ولها يحزن ، ولها يسخط ، ولها يرضى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ الّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بالحَياةِ الدّنْيا واطْمأَنّوا بِها . . . الآية كلها ، قال : هؤلاء أهل الكفر . ثم قال : أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النّارُ بِمَا كانُوا يَكْسِبُوَنَ .
{ إن الذين لا يرجون لقاءنا } لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها . { ورضوا بالحياة الدنيا } من الآخرة لغفلتهم عنها . { واطمأنوا بها } وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها ، أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها . { والذين هم عن آياتنا غافلون } لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلا ، وإما لتغاير الفريقين والمراد بالأولين من أنكر البعث ولم ير إلا الحياة الدنيا وبالآخرين من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.