الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ} (7)

وقوله سبحانه : { إِنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } [ يونس : 7 ] .

قال أبو عُبَيْدة وغيره : { يَرْجُونَ } ، في هذه الآية : بمعنى يخافُون ، واحتجوا ببَيْتِ أَبي ذُؤَيْبٍ : [ الطويل ]

إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا *** وَحَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَامِلِ

وقال ابن سِيدَه والفرّاء : لفظة الرَّجاءِ ، إِذا جاءَتْ منفيَّةً ، فإِنها تكونُ بمعنى الخَوْفِ ، فعَلَى هذا التأويل معنى الآية : إِنَّ الذين لا يخافون لقاءنا ، وقال بعض أهل العلم : الرجاءُ ، في هذه الآية : على بابه ؛ وذلك أن الكافر المكذِّب بالبعث لا يُحْسِنُ ظَنًّا بأنه يَلْقَى اللَّه ، ولا له في الآخرة أمَلٌ ؛ إِذ لو كان له فيها أَمَلٌ ، إذ لو كان له لقارنه لا محالة خَوْفٌ ، وهذه الحالُ من الخَوْفِ المقارِنِ هي القائِدَةُ إِلى النجاة .

قال ( ع ) : ( والذي أقُولُ به : إنَّ الرجاء في كلِّ موضع هو علَى بابه ، وأنَّ بيت الهُذَلِيِّ معناه : لَمْ يَرْجُ فَقَدْ لَسْعِهَا ، قال ابن زَيْد : هذه الآية في الكُفَّار .

وقوله سبحانه : { وَرَضُوا بالحياة الدنيا } : يريد : كَانَتْ مُنتَهى غرضهم ، وقال قتادة في تفسير هذه الآية : إِذا شئْتَ رأَيْت هذا الموصُوفَ صاحِبَ دنيا ، لها يغضبُ ، ولها يرضَى ، ولها يفرح ، ولها يهتَمُّ ويحزن ، فكأَنَّ قتادةَ صَوَّرها في العصاةِ ، ولا يترتب ذلك إِلا مع تأوُّل الرَّجَاءِ على بابه ؛ لأن المؤمِنَ العاصِيَ مستَوْحِشٌ من آخرته ، فأما على التأويلِ الأول ، فمن لا يخافُ اللَّه ، فهو كَافِرٌ .

وقوله : { واطمأنوا بِهَا } : تكميلٌ في معنى القناعةِ بها ، والرفْضِ لغيرها .

وقوله : { والذين هُمْ عَنْ آياتنا غافلون } يحتمل أنْ يكون ابتداء إِشارةٍ إِلى فرقةٍ أُخرَى ،