السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ} (7)

ولما أقام الله سبحانه وتعالى الدلائل القاهرة على صحة القول بإثبات الإله الرحمن ، وعلى صحة القول بإثبات الإله الرحيم الحكيم ، وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر ؛ شرع في شرح أحوال من يكفر بها ، وشرح أحوال من يؤمن بها ، وقد ابتدأ بأوّلها ووصفه بأربع صفات مبتدئاً بأوّلها بقوله تعالى :

{ إنّ الذين لا يرجون لقاءنا } أي : لا يخافونه لإنكارهم البعث ، وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها ، فهم مكّذبون بالثواب والعقاب والرجاء ، يكون بمعنى الخوف ، وبمعنى الطمع ، فمن الأوّل قول العرب : فلان لا يرجو فلاناً ، بمعنى لا يخافه ، ومنه قوله تعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً } [ نوح : 13 ] ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي :

إذ لسعته النحل لم يرج لسعها ***

أي : لم يخفها . ومن الثاني قولهم : فلان يرجو فلاناً ، أي : يطمع فيه ، والمعنى : لا يطمعون في ثوابنا ، والصفة الثانية والثالثة : قوله تعالى : { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } فيعملون لها عمل المقيم فيها مع ما يشاهدونه من سرعة زوالها منهمكين في لذاتها وزخارفها ، وسكنوا فيها سكون من لا ينزع عنها ، والصفة الرابعة : قوله تعالى : { والذين هم عن آياتنا } أي : دلائل وحدانيتنا { غافلون } تاركون النظر فيها ، بمنزلة الغافل عن الشيء الذي لا يخطر بباله طول عمره ذكر ذلك الشيء ، وبالجملة فهذه الصفات الأربعة دالة على شدّة بعدهم عن طلب الاستعداد بالسعادات الأخروية ، ويحتمل أنَّ الصفة الأخيرة لفريق آخر ، ويكون المراد بالأوّلين : من أنكر البعث ، ولم يرد إلا الحياة الدنيا ، وبالآخر : من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له .