اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ} (7)

قوله تعالى : { إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } الآية .

لمَّا ذكر الدَّلائل القاهرة على إثبات الإلهيَّة ، وعلى صحَّة القول بالمعاد ، والحَشْرِ ، والنَّشْرِ ، شرح بعده أحوال من يكفُر بها ، ومن يؤمن بها ؛ فأما شرح أحوال الكُفَّار ، فهو المذكور في هذه الآية ، وصفهم فيها بأربع صفاتٍ :

الأولى : قوله : { إَنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا }{[18322]} .

قال ابن عبَّاس ، ومقاتل ، والكلبي : معناه : لا يخافون البعث ؛ لأنَّهم لا يؤمنون به ، والرَّجاء : الخوف ؛ لقوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } [ النازعات : 45 ] ، وقوله : { وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء : 49 ] ، وقوله : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] ؛ وقال الهذليُّ : [ الطويل ]

إذَا لسَعَتْهُ النَّحْلُ لمْ يَرْجُ لسْعَهَا *** وخَالفَهَا في بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ{[18323]}

وقال الزَّجَّاج : الطَّمع ؛ والمعنى : لا يطمعُون في ثوابنا ، واعلم أنَّ اللِّقاء : هو الوصول إلى الشيء ، وهذا في حقِّ الله - تعالى - محالٌ ؛ لأنه مُنَزَّهٌ عن الحدِّ ؛ فوجب أن يكون مجازاً عن الرُّؤية ؛ فإنه يقال : لقيتُ فُلاناً ، إذَا رأيْتَهُ .

الصفة الثانية : قوله : { وَرَضُواْ بالحياة الدنيا } ، وهذه إشارة إلى استغراقهم في طلب اللَّذاتِ الجسمانيَّة .

والصفة الثالثة : قوله : " واطمأنوا بِهَا " يجوز أن يكون عطفاً على الصِّلة ، وهو الظاهرُ ، وأن تكون الواو للحال ، والتقدير : وقد اطمأنُّوا . وهذه صفةُ الأشقياء ، وهي أن تحصل لهم الطُّمأنينة في حُبّ الدُّنْيا والاشتغال بلذَّاتها ، فيزول عن قُلُوبهم الوجلُ ، فإذا سمعُوا الإنذارَ والتَّخويفَ لم توجل قلوبهم وصارت كالميتة عند ذكر الله - تعالى - ، وهذا بخلاف صفة السُّعداء ، فإنَّهم يحصُلُ لهم الوجل عند ذكر الله - تعالى - ، كما قال : { إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الأنفال : 2 ] ، ثُمَّ إذا قويت هذه الحالةُ اطمأنُّوا بذكر الله ، كما قال : { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } [ الرعد : 28 ] .

ومقتضى اللُّغة أن يقال : واطمأنُّوا إليها ، إلاَّ أنَّ حروف الجرِّ يحسن إقامة بعضها مقام البعض .

الصفة الرابعة : قوله : { والذين هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } . يحتمل أن يكون من باب عطف الصفات ، بمعنى أنَّهم جامعُون بين عدم رجاء لقاءِ الله وبين الغفلة عن الآياتِ ، والمراد بالغفلة الإعراض ، وأن يكون هذا الموصولُ غير الأولِ ، فيكون عطفاً على اسم " إنَّ " ، أي : إنَّ الذين لا يَرْجُون ، وإنَّ الذين هُمْ .


[18322]:ذكره الرازي في "تفسيره" (17/32).
[18323]:ينظر البيت في ديوان الهذليين 1/143 ومجاز القرآن 1/275، 2/73 واللسان (رجا) وتأويل مشكل القرآن 191 والمذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/589 وإصلاح المنطق 142 والتفسير الكبير 17/38 والقرطبي 8/199 الأضداد لابن السكيت ص179 المقاييس 2/495 المخصص 8/178.