الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ} (7)

قوله تعالى : " إن الذين لا يرجون لقاءنا " " يرجون " يخافون ، ومنه قول الشاعر :

إذا لسعته النحل لم يرجُ لَسْعَهَا *** وخالفها في بيت نُوبٌ عواسل{[8429]}

وقيل يرجون يطمعون ، ومنه قول الآخر :

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي*** وقومي تميم والفلاة ورائيا

فالرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع ، أي لا يخافون عقابا ولا يرجون ثوابا . وجعل لقاء العذاب والثواب لقاء لله تفخيما لهما . وقيل : يجري اللقاء على ظاهره ، وهو الرؤية ، أي لا يطمعون في رؤيتنا . وقال بعض العلماء : لا يقع الرجاء بمعنى الخوف إلا مع الجحد ، كقوله تعالى : " ما لكم لا ترجون لله وقارا{[8430]} " [ نوح : 13 ] . وقال بعضهم : بل يقع بمعناه في كل موضع دل عليه المعنى .

قوله تعالى : " ورضوا بالحياة الدنيا " أي رضوا بها عوضا من الآخرة فعملوا لها . " واطمأنوا بها " أي فرحوا بها وسكنوا إليها ، وأصل اطمأن طأمن طمأنينة ، فقدمت ميمه وزيدت نون وألف وصل ، ذكره الغزنوي . " والذين هم عن آياتنا " أي عن أدلتنا " غافلون " لا يعتبرون ولا يتفكرون .


[8429]:البيت لأبي ذؤيب. وقوله: "وخالفها" بالخاء المعجمة: جاء إلى عسلها وهي غائبة ترعى. ويروى "وحالفها" بالمهملة أي لازمها. والنوب: النحل: لأنها ترعى ثم تنوب إلى موضعها ويروى "عوامل" وهي التي تعمل العسل والشمع. (عن شرح ديوان أبي ذؤيب).
[8430]:راجع ج 19 ص 303.