تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ} (7)

وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ) قال قائلون : ( لا يرجون لقاءنا ) من الرجال ؛ أي لا يرجون ما وعد الخلق من الثواب ، ولا يرغبون في ما يرجى ، ويطمع من الرغائب . وقال بعضهم : ( لا يرجون لقاءنا ) أي لا يخافون لقاءنا ، وما من خوف إلا وفيه رجاء ، وما من رجاء إلا وفيه خوف ؛ لأن الخوف الذي لا رجاء فيه ، هو إياس ، والرجاء الذي لا خوف فيه أمن . لكن الغالب في الحسنات والخيرات الرجاء ، وفيه خوف ، والغالب في السيئات والشرور الخوف ، وفيه أدنى الرجاء ، وهو ما ذكرنا في الشكر والصبر أنهما واحد ؛ لأن الصبر هو كف النفس عن الشهوات واللهوات ، والشكر هو استعمالها في الخيرات . فإذا كفها عن الشهوات استعملها في الخيرات .

لذلك قلنا : إنهما في الحقيقة واحد ؛ لأن الشكر هو القبول ، وكذلك الصبر أيضا . غير أن الشكر في قبول النعم والصبر في قبول البلايا والمصائب ، والله أعلم ، يصير كأنه قال : إن الذين لا يؤمنون بالآخرة .

وقوله تعالى : ( وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ) أي اختاروا المقام في ما عملوا بها ، كأنهم مقيمون فيها أبدا ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ) .