المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

181- ومع أن الله له ملك السماوات والأرض وميراثهما ، فقد قال بعض اليهود متهكمين : إن الله فقير يطلب منا أن نقرضه بالإنفاق ، ونحن أغنياء ننفق أو لا ننفق ، لقد سمع الله قولهم هذا وسجَّل عليهم ذلك القول كما سجل عليهم قتلهم الأنبياء ظلماً وإثماً وعدواناً ، وسيقول لهم يوم القيامة : ذوقوا عذاب النار المحرقة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

قوله تعالى : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } . قال الحسن ومجاهد : لما نزلت ( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ) قالت اليهود إن الله فقير يستقرض منا ونحن أغنياء ، وذكر الحسن أن قائل هذا الكلام حيي بن أخطب . وقال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق ، كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناساً كثيراً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم ، يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ، ومعه حبر آخر يقال له أسبيع ، فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم ، فو الله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة ، فآمن وصدق وأقرض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة ، ويضاعف لك الثواب . فقال فنحاص : يا أبا بكر ، تزعم أن ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني ، فإن كان ما تقول حقاً فإن الله إذاً لفقير ونحن أغنياء ، وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا . فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله ، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ! انظر ما صنع بي صاحبك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً ، زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء ، فغضبت لله فضربت وجهه ، فجحد ذلك فنحاص ، فأنزل الله تعالى رداً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر رضي الله عنه ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) .

قوله تعالى : { سنكتب ما قالوا } . من الإفك والفرية على الله فنجازيهم به ، وقال مقاتل سنحفظ عليهم ، وقال الواقدي : سنأمر الحفظة بالكتابة ، نظيره قوله تعالى ( وإنا له كاتبون ) .

قوله تعالى : { وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } . وقرأ حمزة " سيكتب " بضم الياء " وقتلهم " برفع اللام ويقول بالياء ، و( ذوقوا عذاب الحريق ) أي النار ، وهو بمعنى المحرق كما يقال لهم عذاب أليم أي مؤلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

{ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }

يخبر تعالى ، عن قول هؤلاء المتمردين ، الذين قالوا أقبح المقالة وأشنعها ، وأسمجها ، فأخبر أنه قد سمع ما قالوه وأنه سيكتبه ويحفظه ، مع أفعالهم الشنيعة ، وهو : قتلهم الأنبياء الناصحين ، وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة ، وأنه يقال لهم -بدل قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء- { ذوقوا عذاب الحريق } المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

180

ثم يندد باليهود الذين وجدوا في أيديهم المال - الذي آتاهم الله من فضله - فحسبوا أنفسهم أغنياء عن الله ، لا حاجة بهم إلى جزائه ، ولا إلى الأضعاف المضاعفة التي يعدها لمن يبذل في سبيله - وهو ما يسميه تفضلا منه ومنة اقراضا له سبحانه - وقالوا في وقاحة : ما بال الله يطلب الينا أن نقرضه من مالنا . ويعطينا عليه الأضعاف المضاعفة ، وهو ينهى عن الربا والأضعاف المضاعفة ؟ ! وهو تلاعب بالألفاظ ينم عن القحة وسوء الأدب في حق الله :

( لقد سمع الله قول الذين قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء . سنكتب ما قالوا ! وقتلهم الأنبياء بغير حق ، ونقول ذوقوا عذاب الحريق . ذلك بما قدمت أيديكم ، وأن الله ليس بظلام للعبيد ) .

وسوء تصور اليهود للحقيقة الإلهية شائع في كتبهم المحرفة . ولكن هذه تبلغ مبلغا عظيما من سوء التصور ومن سوء الأدب معا . . ومن ثم يستحقون هذا التهديد المتلاحق :

( سنكتب ما قالوا ) . .

لنحاسبهم عليه ، فما هو بمتروك ولا منسي ولا مهمل . . وإلى جانبه تسجيل آثامهم السابقة - وهي آثام جنسهم وأجيالهم متضامنة فيه - فكلهم جبلة واحدة في المعصية والإثم :

( وقتلهم الأنبياء بغير حق ) . .

وقد حفظ تاريخ بني إسرائيل سلسلة أثيمة في قتل الأنبياء ، آخرها محاولتهم قتل المسيح عليه السلام . . وهم يزعمون أنهم قتلوه ، متباهين بهذا الجرم العظيم . . !

( ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) . .

والنص على " الحريق " هنا مقصود لتبشيع ذلك العذاب وتفظيعه . ولتجسيم مشهد العذاب بهوله وتأججه وضرامه . . جزاء على الفعلة الشنيعة : قتل الأنبياء بغير حق . وجزاء على القولة الشنيعة : إن الله فقير ونحن أغنياء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

{ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } قالته اليهود لما سمعوا { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } . وروي ( أنه صلى الله عليه وسلم كتب مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فقال فنحاص بن عازوراء : إن الله فقير حتى سأل القرض ، فلطمه أبو بكر رضي الله عنه على وجهه وقال : لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك ، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحد ما قاله ) فنزلت . والمعنى أنه لم يخف عليه وأنه أعد لهم العقاب عليه . { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق } أي سنكتبه في صحائف الكتبة ، أو سنحفظه في علمنا لا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله عز وجل واستهزاء بالقرآن والرسول ، ولذلك نظمه مع قتل الأنبياء ، وفيه تنبيه على أنه ليس أول جريمة ارتكبوها وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد منه أمثال هذا القول . وقرأ حمزة " سيكتب " بالياء وضمها وفتح التاء وقتلهم بالرفع ويقول بالياء . { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } أي وننتقم منهم بأن نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق ، وفيه مبالغات في الوعيد . والذوق إدراك الطعوم ، وعلى الاتساع يستعمل لإدراك سائر المحسوسات والحالات ، وذكره ها هنا لأن العذاب مرتب على قولهم الناشئ عن البخل والتهالك على المال ، وغالب حاجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم ومعظم بخله به للخوف من فقدانه ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

وقوله تعالى : { لقد سمع الله } الآية ، قال ابن عباس : نزلت بسبب فنحاص اليهودي{[3748]} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى بيت المدراس ليدعوهم فوجد فيه جماعة من اليهود قد اجتمعوا على فنحاص - وهو حبرهم- فقال أبو بكر له : يا فنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة ، فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة وإنه إلينا لفقير وإنّا عنه لأغنياء ، ولو كان غنياً لما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم ، في كلام طويل غضب أبو بكر منه ، فرفع يده فلطم وجه فنحاص وسبه وهمَّ بقتله ، ثم منعه من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : لا تحدث شيئاً حتى تنصرف إليَّ ، ثم ذهب فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا فعل أبي بكر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ما حملك على ما صنعت ؟ قال يا رسول الله : إنه قال قولاً عظيماً فلم أملك نفسي أن صنعت ما صنعت ، فنزلت الآية في ذلك{[3749]} وقال قتادة : نزلت الآية في حيي بن أخطب ، وذلك أنه لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً }{[3750]} قال : يستقرضنا ربنا ؟ إنما يستقرض الفقير الغني ، وقال الحسن بن أبي الحسن ومعمر وقتادة أيضاً وغيرهم : لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [ البقرة : 245 ] ، قالت اليهود : إنما يستقرض الفقير من الغني ، ولا محالة أن هذا قول صدر أولاً عن فنحاص وحيي وأشباههما من الأحبار ثم تقاولها اليهود ، وهو قول يغلط به الأتباع ومن لا علم عنده بمقاصد الكلام ، وهذا تحريف اليهود التأويل على نحو ما صنعوا في توراتهم وقوله تعالى : { قول الذين قالوا } دال على أنهم جماعة{[3751]} .

قوله تعالى :

{ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَآءِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ }

قرأ حمزة وحده «سيكتب » بالياء من أسفل على بناء الفعل للمفعول و «قتلُهم » برفع اللام عطفاً على المفعول الذي لم يسم فاعله ، و «يقول » بالياء من أسفل ، وقرأ الباقون بنون الجمع ، فإما أنها نون العظمة ، وإما هي للملائكة و { ما } على هذه القراءة مفعولة بها ، و «قتلَهم » بنصب اللام عطفاً على { ما } { ونقول } بالنون على نحو { سنكتب } والمعنى في هاتين القراءتين قريب بعضه من بعض ، قال الكسائي : وفي قراءة عبد الله بن مسعود «ويقال ذوقوا » وقال أبو معاذ النحوي{[3752]} في حرف ابن مسعود : «سنكتب ما يقولون ويقال لهم ذوقوا » وقرأ طلحة بن مصرف «سنكتب ما يقولون » وحكى أبو عمرو عنه أيضاً أنه قرأ «ستكتب » بتاء مرفوعة { ما قالوا } ، بمعنى : ستكتب مقالتهم ، وهذه الآية وعيد لهم ، أي سيحصى عليهم قولهم ، والكتب فيما قال كثير من العلماء هو في صحف تقيده الملائكة فيها ، وتلك الصحف المكتوبة هي التي توزن وفيها يخلق الله الثقل والخفة بحسب العلم المكتوب فيها ، وذهب قوم إلى أن الكتب عبارة عن الإحصاء وعدم الإهمال ، فعبر عن ذلك بما تفهم العرب منه غاية الضبط والتقييد ، فمعنى الآية : أن أقوال هؤلاء تكتب وأعمالهم ، ويتصل ذلك بأفعال آبائهم من قتل الأنبياء بغير حق ونحوه ، ثم يقال لجميعهم { ذوقوا عذاب الحريق } وخلطت الآية الآباء مع الأبناء في الضمائر ، إذ الآباء هم الذين طوقوا لأبنائهم الكفر وإذ الأبناء راضون بأفعال الآباء متبعون لهم ، والذوق مع العذاب مستعار ، عبارة عن المباشرة ، إذ الذوق من أبلغ أنواعها وحاسته مميزة جداً ، و { الحريق } معناه : المحرق فعيل بمعنى مفعل وقيل : { الحريق } طبقة من طبقات جهنم .


[3748]:- هو فنحاص بن عازوراء، أحد أحبار يهود بني قينقاع الذي ناصبوا النبي صلى الله عليه وسلم العداوة والحقد. "سيرة ابن هشام 2/359".
[3749]:- أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. (الدر المنثور: 2/105. وفتح القدير للشوكاني 1/372)، وذكر الشوكاني أن هذه القصة أخرجها ابن جرير، وابن المنذر- عن عكرمة، وأخرجها ابن جرير- عن السدي بأخصر من ذلك.
[3750]:- تكررت في موضعين –في الآية (245) من سورة (البقرة)- وفي الآية (11) من سورة (الحديد).
[3751]:- قال المفسرون: جاءت الجملة مؤكدة باللام مؤذنة بعلمه بمقالتهم ومؤكدة له-وحيث نسبوا إلى الله ما نسبوا أكدوا الجملة (بإن) على سبيل المبالغة، وحيث نسبوا إلى أنفسهم ما نسبوا لم يؤكدوا، بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد، (ونحن أغنياء) كأن الغنى وصف لهم ولا نزاع فيه فلا يحتاج إلى تأكيد.
[3752]:- هو الفضل بن خالد أبو معاذ النحوي المروزي مولى باهلة، روى عن عبد الله بن المبارك وداود بن أبي هند، وخارجة بن مصعب، وروى عنه محمد بن شقيق، والأزهري، ومحمد بن هرون النيسابوري، وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات، وصنف كتابا في القرآن، توفي سنة: 21. (طبقات القراء لابن الجزري 2/9. وبغية الوعاة: 373).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

استئناف جملة { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } لمناسبة ذكر البخل لأنّهم قالوه في معرض دفع الترغيب في الصدقات ، والذين قالوا ذلك هم اليهود ، كما هو صريح آخر الآية في قوله : { وقتلهم الأنبياء بغير حق } ، وقائل ذلك : قيل هو حُيَيُّ بنُ أخْطَبَ اليهودي ، حَبر اليهود ، لمّا سمع قوله تعالى : { من ذا الذي يقرض اللَّه قرضاً حسناً } [ البقرة : 245 ] فقال حُيَيّ : إنّما يستقرض الفقيرُ الغنيَّ ، وقيل : قاله فِنحَاص بن عَازورَاء لأبي بكر الصديق بسبب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر إلى يهود قَيْنُقاع يدعوهم ، فأتى بيت المِدْرَاس فوجد جماعة منهم قد اجتمعوا على فنحاص حَبْرِهم ، فدعاه أبو بكر ، فقال فنحاص : ما بنا إلى الله من حاجة ، وإنّه إلينا لفقير ولو كان غنيّاً لما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم ، فغضب أبو بكر ولطم فنحاص وهمّ بقتله ، فنزلت الآية . وشاع قولهما في اليهود .

وقوله : { لقد سمع الله } تهديد ، وهو يؤذن بأنّ هذا القول جراءة عظيمة ، وإن كان القصد منها التعريض ببطلان كلام القرآن ، لأنهم أتوا بهاته العبارة بدون محاشاة ، ولأنّ الاستخفاف بالرسول وقرآنه إثم عظيم وكفر على كفر ، ولذلك قال تعالى : { لقد سمع } المستعمل في لازم معناه ، وهو التهديد على كلام فاحش ، إذ قد علم أهل الأديان أنّ الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فليس المقصود إعلامهم بأنّ الله علم ذلك بل لازمه وهو مقتضى قوله : { سنكتب ما قالوا } . والمراد بالكتابة إمّا كتابته في صحائف آثامهم إذ لا يخطر ببال أحد أن يكتب في صحائف الحسنات ، وهذا بعيد ، لأنّ وجود علامة الاستقبال يؤذّن بأنّ الكتابة أمر يحصل فيما بعد . فالظاهر أنّه أريد من الكتابة عدم الصفح عنه ولا العفو بل سيثبت لهم ويجازون عنه فتكون الكتابة كناية عن المحاسبة . فعلى الأول يكون وعيداً وعلى الثاني يكون تهديداً .

وقرأ الجمهور { سنكتب ما قالوا وقتلَهم } بنون العظمة من ( سنكتب ) وبنصب اللام من ( قتلهم ) على أنّه مفعول ( نكتب ) و ( نقول ) بنون . وقرأه حمزة : سيُكْتب بياء الغائب مضمومة وفتح المثناة الفوقية مبنيّاً للنائب لأنّ فاعل الكتابة معلوم وهو الله تعالى ، وبرفع اللام من ( قتلُهم ) على أنه نائب الفاعل . ( ويقول ) بياء الغائب ، والضمير عائد الى اسم الجلالة في قوله : { إن الله } .

وعطف قوله : { وقتلهم الأنبياء بغير حق } زيادة في مذمّتهم بذكر مساوي أسلافهم ، لأنّ الذين قتلوا الأنبياء هم غير الذين قالوا : { إن الله فقير ونحن أغنياء } بل هم من أسلافهم ، فذكر هنا ليدلّ على أنّ هذه شنشنة قديمة فيهم ، وهي الاجتراء على الله ورسله ، واتّحاد الضمائر مع اختلاف المعاد طريقة عربية في المحامد والمذامّ التي تناط بالقبائل .

قال الحجّاج في خطبته بعد يوم دَيْر الجَماجم يخاطب أهل العراق : ألستم أصحابي بالأهواز حين أضمَرْتُم الشرّ واستبطنتم الكفر إلى أن قال : ثمّ يوم الزاوية وما يوم الزاوية . . إلخ ، مع أنّ فيهم من مات ومن طرأ بعد .

وقوله : { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } عُطف أثرُ الكتب عَلى الكتب أي سيجازون عن ذلك بدون صفح ، { ونقول ذوقوا } وهْو أمر الله بأن يَدخلوا النار .

والذوق حقيقته إدراك الطُّعوم ، واستعمل هنا مجازاً مرسلاً في الإحساس بالعذاب فعلاقته الإطلاق ، ونكتته أنّ الذوق في العرف يستتبع تكرّر ذلك الإحساس لأنّ الذوق يتبعه الأكل ، وبهذا الاعتبار يصحّ أن يكون « ذوقوا » استعارة .

وقد شاع في كلام العرب إطلاق الذوق على الإحساس بالخير أو بالشرّ ، وورد في القرآن كثيراً .