فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

قال أهل التفسير : لما أنزل الله : { من ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا } [ البقرة : 245 ، الحديد : 11 ] قال قوم من اليهود : هذه المقالة تمويهاً على ضعفائهم ، لا أنهم يعتقدون ذلك ؛ لأنهم أهل الكتاب ، بل أرادوا أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد ، فهو فقير ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام . وقوله : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا } سنكتبه في صحف الملائكة ، أو سنحفظه ، أو سنجازيهم عليه . والمراد : الوعيد لهم ، وأن ذلك لا يفوت على الله ، بل هو معدّ لهم ليوم الجزاء . وجملة سنكتب على هذا مستأنفة جواباً لسؤال مقدر ، كأنه قيل : ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع ؟ فقال : قال لهم : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا } . وقرأ الأعمش ، وحمزة : «سيكتب » بالمثناة التحتية مبني للمفعول . وقرأ برفع اللام من «قتلهم » و " يقول " بالياء المثناة تحت . قوله : { وَقَتْلِهِمُ الأنبياء } عطف على { ما قالوا } ، أي : ونكتب قتلهم الأنبياء ، أي : قتل أسلافهم للأنبياء ، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به ، جعل ذلك القول قريناً لقتل الأنبياء تنبيهاً على أنه من العظم ، والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء . قوله : { وَنَقُولُ } معطوف على { سَنَكْتُبُ } أي : ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار ، أو عند الموت ، أو عند الحساب . والحريق : اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة . وقرأ ابن مسعود : «ويقال ذوقوا » .

/خ184