التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

قوله تعالى : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ) .

جاء في سبب نزول هذه الآية أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل ذات يوم بيت مدارس اليهود فوجد ناسا من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ، فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، فآمنْ وصدّق وأقرضْ الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب . فقال فنحاص : يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني ، فإن كان ما تقول حقا فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء . ولو كان غنيا ما استقرضنا أموالنا . فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدوّ الله . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد انظر إلى ما صنع بي صاحبك . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر : " ما الذي حملك على ما صنعت ؟ " فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن عدو الله قال قولا عظما ، زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله وضربت وجهه ، فجحد ذلك فنحاص ، فأنزل الله عز وجل ردا على فنحاص وتصديقا لأبي بكر ( لقد سمع الله قول الذين قالوا ) {[648]} .

والمراد هنا فداحة الاجتراء الأثيم على الله بمقالة السوء يتعثر بها لسان فريق من يهود ، وهي أن الله فقير وهم أغنياء . وذلك لما سمعوا قول الله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) . على أن مقالة يهود هذه إنما قيلت على سبيل السخرية أو التهكم والاستخفاف بدين الله وكتابه الحكيم . لا جرم أن ذلك غاية في الجحد والكفران يستحقون بموجبه من الله أشد العذاب ؛ لذلك قال سبحانه : ( سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ) اسم الموصول ( ما ) في محل نصب مفعول به . ( وقتلهم ) معطوف على الاسم الموصول وهو منصوب . الأنبياء مفعول به للمصدر ( وقتلهم ) .

والمعنى أن سيكتب مقالتهم هذه في كتاب أعمالهم ليجدوه أمامهم مسطورا يوم القيامة . وقيل : سيحفظ ما قالوه ليجازيهم عليه .

قوله : ( وقتلهم الأنبياء بغير حق ) أي وسنكتب قتلهم الأنبياء . وذلك أنهم رضوا بما فعله أجدادهم السالفون ؛ إذ قتلوا الأنبياء ظلما . ومن يرض بالمعصية يكن شريكا في الإثم وإن لمي فعل ولم ير ، مادام رضاه حاصلا بما حصل من منكر .

قوله : ( ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) يقال لهم ذلك عند الموت أو في جهنم . ومثل هذه المقولة الربانية لهؤلاء الماكرين الكفرة في ذلك الوقت الموئس الرهيب . يضيف إلى عذابهم مزيدا من التنكيل والإيلام .


[648]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 88.