الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

قوله : ( لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ) الآية [ 181-182 ] .

نزلت هذه الآية في بعض اليهود ، قالوا لأبي بكر وقد عرض عليهم الإيمان وقال لهم : قد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم مكتوب عندكم في التوراة ، فآمنوا به ؟ فقالوا : ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه لفقير إلينا وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان غنياً ما استقرض من أموالنا ، فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه رئيس لهم ضربة شديدة ، وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله . فذهب المضروب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه بأبي بكر فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله ، قال : قولاً شديداً ، زعم( {[11363]} ) عدو الله كيت كيت ، وحكى ما سمع ، فجحد اليهودي ذلك وقال : ما قلت من ذلك شيئاً ، فأنزل الله عز وجل تصديقاً لقول أبي بكر وتكذيباً لهم وإنكاراً لكفرهم ( لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ) الآية . وقال لأبي بكر [ حين ]( {[11364]} ) اشتد غضبه مما سمع ، وللمؤمنين : ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا ) الآية( {[11365]} ) .

وقال الحسن لما نزلت ( مَّن ذَا الذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً )( {[11366]} ) الآية قالت اليهود : إن ربكم يستقرض منكم ، فنزلت ( لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ الذِينَ قَالُوا ) الآية وروي( {[11367]} ) أن الذي قال ذلك من اليهود حيي بن أخطب ، وقيل : فنحاص( {[11368]} ) .

قوله : ( سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ) أي : سنكتب قولهم ، فنجازيهم عليه ونكتب قتلهم الأنبياء ، فالقول كان ممن هو على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، والقتل كان لآبائهم ، وقد مضى مثله في سورة البقرة( {[11369]} ) ، وإنما أضيف إليهم لأنهم راضون بما فعل آباؤهم فكأنهم فعلوا ذلك [ فأضيف إليهم ] لرضاهم( {[11370]} ) به واتباعهم لما كان عليه سلفهم الذين قتلوا الأنبياء مثل زكرياء( {[11371]} ) ويحيى وغيرهم( {[11372]} ) .

قوله : ( وَتَقُولُ ذُوقُوا عَذَابِ الْحَرِيقِ ) أي : نقول لمن قال ذلك ورضي بقتل الأنبياء : ذق عذاب النار المحرقة أي : الملهية( {[11373]} )


[11363]:- (أ) (ج): أزعم وهو خطأ.
[11364]:- ساقط من (أ) (ج).
[11365]:- انظر: سيرة ابن هشام 1/558، وجامع البيان 4/194 وأسباب النزول 76.
[11366]:- البقرة آية 245، والحديد آية 11.
[11367]:- انظر: جامع البيان 4/195 وتفسير ابن كثير 1/435.
[11368]:- هو من علماء وأحبار يهود بني قينقاع، وأَلَدِّ أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر: كتاب المغازي 1/328.
[11369]:- انظر: تفسير سورتي الفاتحة والبقرة صفحة 808.
[11370]:- ساقط من (أ) (ج).
[11371]:- (ج): زكريا عليه السلام.
[11372]:- (ج): وغيرهما صلوات الله عليهم أجمعين.
[11373]:- كذا في جميع النسخ ولعلها الملتهبة.