الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

قوله تعالى : { قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ } : العامل في " إنَّ " هو " قالوا " ف " إنَّ " وما في حَيِّزهانصوب المحل ب " قالوا " لا بالقول . وأجاز أبو البقاء أن تكونَ المسألة من باب التنازع أعني بين المصدر وهو " قول " وبين الفعل وهو " قالوا " تنازعا في " أَنْ " وما في حَيِّزها ، قال : " ويجوز أن يكون معمولاً ل " قول " المضافِ لأنه مصدرٌ ، وهذا تخريجٌ على قول الكوفيين في إعمال الأول وهو قولٌ ضعيف ، ويزداد هنا ضعفاً بأن الثاني فعلٌ والأولُ مصدرٌ ، وإعمالُ الفعل أقوى " . وظاهرُ كلامه أنَّ المسألةَ من التنازع ، وإنما الضعف عنده من جهةِ إعمال الأول فلو قَدَّرْنا إعمالَ الثاني كان ينبغي أن يجوزَ عنده ، لكنه يمنع من ذلك مانعٌ آخر وهو : أنه إذا احتاج الثاني إلى ضمير المتنازع فيه أخذه ولا يجوزُ حذفُه ، وهو هنا غير مذكور ، فدل على [ هذا ] أنها عنده ليست من التنازع إلا على قول الكوفيين ، وهو ضعيف كما ذكر . وانظر كيف أكَّدوا الجملةَ المشتملةَ على ما أسندوه إليه تعالى وإلى عدمِ ذلك فيما أسندوه لأنفسِهم كأنه عند الناس أمرٌ معروف .

قوله : { سَنَكْتُبُ } قرأ حمزة بالياء مبنياً لِما لم يُسَمَّ فاعلُه ، و " ما " وصلتُها قائمٌ مقامَ الفاعلِ . و " قَتْلُهم " بالرفعِ عطفاً على الموصولِ ، و " يقول " بياء الغيبة . والباقون بالنون للمتكلم العظيم ، ف " ما " منصوبةٌ المحلِّ ، و " قتلَهم " بالنصبِ عطفاً عليها ، و " نقولُ " بالنون أيضاً . وقرأ طلحة ابن مصرف : " سَتُكْتب " بتاءِ التأنيث على تأويلِ " ما قالوا " بمقالتهم . وقرأ ابن مسعود وكذلك هي في مصحفه : " سنكتب ما يقولون ويُقال " . والحسن والأعرج : " سَيَكْتب " بالغيبة مبنياً للفاعل أي : الله تعالى أو الملك ، و " ما " في جميع ذلك يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً وهو الظاهر وحُذِفَ العائِدُ لاستكمالِ شروطِ الحذفِ تقديرُه : سنكتب الذي يقولونه . ويجوز أن تكونَ مصدريةً أي : قولَهم ، ويُراد به إذ ذاك المفعولُ به أي : مقولَهم ، كقولهم : " ضَرْب الأمير " .