تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ} (181)

الآية 181 وقوله تعالى : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } قيل : لما نزلت { من ذا الذي يقرض اله قرضا حسنا } الآية ( البقرة 245 ) قالت اليهود : وربكم يستقرض منكم ونحن أغنياء وليس في الآية بيان أن ذلك القول إنما قاله اليهود او غيرهم من الكفرة ولكن فيه أنهم قالوا ذلك فلا ندري من قال ذلك ؟ ولا يجوز أن يشار إلى أحد بعينه إلا ببيان .

ثم يحتمل هذا القول وجوها :

( أحدهما ) {[4657]} : أن يكون قال ذلك أوائلهم على ما قال في قتل الأنبياء عليه السلام وهؤلاء لم يقتلوا ولكن إنما قتلهم أوائلهم أضيف ذلك إليهم رضا منهم بصنيعهم فعلى ذلك القول الذي قالوا يحتمل ما ذكرنا .

والثاني{[4658]} : أن يكون هؤلاء قالوا ذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمشهدهم أو قالوا ذلك في سر فإن قال ذلك أوائلهم فإنه يحتمل وجهين :

أحدهما : ان يكون اله تعالى أعلم ذلك رسوله تصبيرا له وتسكينا ليصبر على الكفار حين قالوا في الله ما قالوا فكيف فيه والله أعلم ؟ ذلك ليكون ذلك من آيات رسالته .

( والثاني ) {[4659]} : إن كانوا قالوا ذلك بحضرة أصحابه صلى الله عليه وسلم ففيه أيضا وجهان :

أحدهما : ما ذكرنا من التسكين والتصبير على آذاهم .

والثاني : لعلموا أن جميع ما ي قولون محفوظ عليهم ليس بغائب ولا غافل عنه عز وجل { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم } الآية ( إبراهيم 42 ) لكنه يؤخر ذلك إلى وقت وإن كانوا قالوا ذلك سرا ففيه أيضا وجهان :

أحدهما : ما ذكرنا ان يكون آية من آيات النبوة ليعلموا أنه إنما علم منهم أنه لم يكن في ما بينهم من ينهي الخبر إليه .

والثاني : خرج على التعزية والتصبير على أذاهم .

ثم معنى قوله تعالى { وأقرضوا الله قرضا حسنا } ( المزمل 20 ) وقوله : { من ذا الذي يقرض اله قرضا حسنا } ( البقرة 245 ) يحتمل وجهين :

أحدهما : لئلا يمنوا على الفقراء غنما يتصدقون عليهم غذ يعلمون أنه ليس بفقير ولا يحتاج إلى غيرهم فسيقرض لفقره ولحاجته وكل من أقرض آخر لا حاجة له في ذلك القرض لوا فقر ولكن ليكون ماله عنده محفوظا في الشاهد فإنه لا يمن المقرض عليه بل تكون المنة للذي عنده القرض على المقرض حيث يحفظ ماله في السفاتج{[4660]} فعلى ذلك المال الذي يقرضونه ويتصدقون على الفقراء يكون محفوظا عند الله ليوم حاجتهم إليه ، فلا منة تكون على الفقير والله أعلم .

والثاني : إنباء عن جوده وكرمه لأن العبد وما يده له فلو أراد أن يأخذ جميع ما في يده لكان له ذلك ثم يطلب منه ببدل يضاعف على ذلك .

والثالث{[4661]} : أن المولى في الشاهد إذا طلب من عبده القرض يكون في ذلك شرف للعبد وعظم . . فعلى ذلك الله سبحانه إذا طلب من عبده القرض علم منه في أنه غني بذاته لا يحب أن يبخل عليه وفي ذلك شرفه وعظمه والله أعلم .

وقوله تعالى : { لقد نسمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } قال أهل التفسير : قالت اليهود وذلك تنبيه لصنيعهم وشدة سفههم حتى زعموا أن يد { الله مغلولة } ( المائدة 64 ) لكن ليس في الآية بيان للقائلين ولا في النسبة ( إلى ){[4662]} أحد نفع سوى خوف الكذب ول لم يكن منه لكنهم قالوه والأغلب على مثله أن يكونوا قالوه سرا يكون في إظهاره آية الرسالة أو كانت الأوائل يقولون فيكون في ذلك إذ لا يحتمل ام يصير لمثله يقال بحضرة الصحابة رضي اله عنهم أجمعين إلا ان يكون في وقت أمروا بالكف . فيكون في ذلك بيان قدر طاعتهم لله مع عظم ما سمعوا من القول وجملته ان في ذكر ذلك دعاء إلى الصبر على آذاهم وسوء قولهم إذ هم مع تقلبهم{[4663]} في نعم اله تعالى وعلمهم بأنهم لم يناولوا خيرا غلا بالله تعالى اجترؤوا{[4664]} عليه بمثل هذا القول وبلغ عتوهم هذا والله وجل ثناؤه مع قدرته وسلطانه يحلم عنهم ليوم وعدهم فيه الجزاء فمن ليس منه إليهم نعمة ولا تقدم عليهم كبير منة أحق بالصبر لأذاهم والإعراض{[4665]} عن مكافآتهم وعلى ذلك قوله تعالى ( لرسوله صلى الله عليه وسلم ) {[4666]} { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الآية ( الجاثية 14 ) ( وقوله تعالى ) {[4667]} { فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } ( المائدة 13 ) .

وقوله تعالى : { سنكتب ما قالوا } قيل سنجزيهم جزاء ما قالوا{[4668]} وقيل سنحفظ ما قالوا وسنثبت وسنلزم{[4669]} كقوله عز وجل : { وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه } ( الإسراء 13 ) والله أعلم .

وقوله تعالى : { وقاتلهم الأنبياء بغير حب } قد ذكرنا هذا في ما تقدم أنه يحتمل ان قتل أوائلهم الأنبياء ( قد أضيف ) {[4670]} إليهم لرضاهم بفعلهم كقوله عز وجل : { من قتل نفسا بغير فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } ( المائدة 32 ) لرضاه بقتله فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { وقتلهم الأنبياء بغير حق } والأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه لا يرتكبون ما يجب به قتلهم كقوله تعالى : { إن الذين يؤذنون الله ورسوله لعنهم الله } الآية ( الأحزاب 57 ) أطلق القول فيه من غير ذلك اكتساب شيء يستوجب به ذلك وشرط في المؤمنين اكتساب ما يستوجبون كقوله تعالى { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } الآية ( الأحزاب 57 ) فكيف ذكر ههنا { بغير حق } وهم لا يكتسبون ما يستوجبون به القتل ؟

قيل : يحتمل قوله : { بغير حاجة لأنهم كانوا يقتلون بلا منفعة تكون لهم في قتلهم على ما قيل : إنهم كانوا يقتلون كذا نبيا حين{[4671]} يهيج لهم سواف{[4672]} فإذا كان كذلك يحتمل { بغير حق } أي بغير حاجة كقول لوط عليه السلام { قال يا قوم هؤلاء بناتي هن اطهر لكم } { قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق } ( هود 78-79 ) أي من حاجة والله أعلم ويحتمل قوله عز وجل : { وقاتلهم الانبياء } أي قصدوا قصد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان قد قتلوه أصحابه رضي الله عنهم فأضيف إليهم والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويقول تعالى : { وتقول ذوقوا عذاب الحريق } أي المحرق وقد ذكرنا هذا .


[4657]:في الأصل و م: يحتمل.
[4658]:في الأصل و م: ويحتمل.
[4659]:في الأصل و م: و.
[4660]:مفردة: السفتجنة وهو ان يعطي مالا لآخر وللآخر مال في بلدة فيوفيه إياه ثم فيستفيد أمن الطريق (اللسان).
[4661]:هذا الوجه هو الثالث من وجوه قوله تعالى {لقد سمع الله}.
[4662]:من م.
[4663]:من م في الأصل: تقبلهم.
[4664]:في الأثل و م: اجتراء.
[4665]:في الأصل وم: إعراض
[4666]:ساقطة من الأصل و م:.
[4667]:في الأصل و م: قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.
[4668]:من م في الأصل كانوا.
[4669]:في الأصل و م: وسألزم.
[4670]:في الأصل و م: فأضيف.
[4671]:في الأصل و م: ثم.
[4672]:السواف: الموتة بالضم الغشي والجنون.