المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

16- وهؤلاء إذ اختاروا الضلالة بدل الهداية كانوا كالتاجر الذي يختار لتجارته البضاعة الفاسدة الكاسدة فلا يربح في تجارته ، ويضيع رأس ماله ، وهم في عملهم غير مهتدين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } . بالإيمان .

{ فما ربحت تجارتهم } . أي استبدلوا الكفر ، أي ما ربحوا في تجارتهم أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها كما تقول العرب : ربح بيعك وخسرت صفقتك .

{ وما كانوا مهتدين } . من الضلالة ، وقيل مصيبين في تجارتهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم :

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }

أولئك ، أي : المنافقون الموصوفون بتلك الصفات { الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى } أي : رغبوا في الضلالة ، رغبة المشتري بالسلعة ، التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان{[52]}  النفيسة . وهذا من أحسن الأمثلة ، فإنه جعل الضلالة ، التي هي غاية الشر ، كالسلعة ، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن ، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها ، فهذه تجارتهم ، فبئس التجارة ، وبئس الصفقة صفقتهم{[53]} .

وإذا كان من بذل{[54]}  دينارا في مقابلة درهم خاسرا ، فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما ؟ " فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة ، واختار الشقاء على السعادة ، ورغب في سافل الأمور عن عاليها{[55]} ؟ " فما ربحت تجارته ، بل خسر فيها أعظم خسارة . { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }

وقوله : { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } تحقيق لضلالهم ، وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء ، فهذه أوصافهم القبيحة .


[52]:- في ب: الأموال.
[53]:- في ب: وهذه صفقتهم فبئس الصفقة.
[54]:- في ب: يبذل.
[55]:- في ب: وترك عاليها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

1

والكلمة الأخيرة التي تصور حقيقة حالهم ، ومدى خسرانهم :

( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) . . فلقد كانوا يملكون الهدى لو أرادوا . كان الهدى مبذولا لهم . وكان في أيديهم . ولكنهم ( اشتروا الضلالة بالهدى ) ، كأغفل ما يكون المتجرون :

( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى } قال : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى .

وقال [ محمد ]{[1293]} بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى } أي : الكفر بالإيمان .

وقال مجاهد : آمنوا ثمّ كفروا .

وقال قتادة : استحبوا الضلالة على الهدى [ أي : الكفر بالإيمان ]{[1294]} . وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } [ فصلت : 17 ]{[1295]} .

وحاصل قول المفسرين فيما تقدم : أن المنافقين عَدَلوا عن الهدى إلى الضلال ، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة ، وهو معنى قوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى } أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة ، وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر ، كما قال تعالى فيهم : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ } [ المنافقون : 3 ] ، أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى ، كما يكون{[1296]} حال فريق آخر منهم ، فإنهم أنواع وأقسام ؛ ولهذا قال تعالى : { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } أي : ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة ، { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } أي : راشدين في صنيعهم ذلك .

قال{[1297]} ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } قد - والله - رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الجماعة إلى الفرقة ، ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة . وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن زُرَيْع ، عن سعيد ، عن قتادة ، بمثله سواء .

/خ20


[1293]:زيادة من جـ.
[1294]:زيادة من طـ.
[1295]:في هـ: "فأما" وهو خطأ.
[1296]:في جـ، ط، ب، أ، و: "كما قد يكون".
[1297]:في ط: "وقال".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ( 16 )

وقوله : { أولئك } إشارة إلى المتقدم ذكرهم( {[268]} ) ، وهو رفع بالابتداء و { الذين } خبره ، و { اشتروا } صلة ل { الذين } ، وأصله اشتريوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فحذفت لالتقاء الساكنين ، وقيل استثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء وحركت الواو بعد ذلك للالتقاء بالساكن بعدها ، وخصت بالضم لوجوه منها أن الضمة أخت الواو وأخف الحركات عليها ، ومنها أنه لما كانت واو جماعة ضمت كما فعل بالنون في «نحنُ » .

ومنها أنها ضمت إتباعاً لحركة الياء المحذوفة قبلها .

قال أبو علي : «صار الضم فيها أولى ليفصل بينها وبين واو » أو «و » لو «إذ هذان يحركان بالكسر »( {[269]} ) .

وقرأ أبو السمال قعنب العدوي( {[270]} ) بفتح الواو في : «اشتروَا الضلالة » .

وقرأها يحيى بن يعمر بكسر الواو . والضلالة والضلال : التلف نقيض الهدى الذي هو الرشاد إلى المقصد .

واختلفت عبارة المفسرين عن معنى قوله : { اشتروا الضلالة بالهدى } فقال قوم : «أخذوا الضلالة وتركوا الهدى »( {[271]} ) .

وقال آخرون : استحبوا الضلالة وتجنبوا الهدى( {[272]} ) كما قال تعالى : { فاستحبوا العمى على الهدى } [ فصلت : 17 ] .

وقال آخرون : الشراء هنا استعارة وتشبيه ، لما تركوا الهدى وهو معرض( {[273]} ) لهم ووقعوا بدله في الضلالة واختاروها شبهوا بمن اشترى فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم إذ كان لهم أخذه . ( {[274]} )

وبهذا المعنى تعلق مالك رحمه الله في منع أن يشتري الرجل على أن يتخير في كل ما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز فيه التفاضل . ( {[275]} )

وقال قوم : الآية فيمن كان آمن من المنافقين ثم ارتد في باطنه وعقده ويقرب الشراء من الحقيقة على هذا . ( {[276]} )

وقوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } ختم للمثل بما يشبه مبدأه في لفظة الشراء( {[277]} ) ، وأسند الربح إلى التجارة كما قالوا : «ليل قائم ونهار صائم » . والمعنى فما ربحوا في تجارتهم .

وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة «فما ربحت تجاراتهم » بالجمع .

وقوله تعالى : { وما كانوا مهتدين } قيل المعنى في شرائهم هذا ، وقيل على الإطلاق ، وقيل في سابق علم الله ، وكل هذا يحتمله اللفظ .


[268]:- بعد أن ذكر الله سبحانه مالهم من صفات شنيعة، ونعوت فظيعة، جاءت الإشارة لتعلن عن سوء حالهم، وبعد منزلتهم في الشر، فهي مسوقة لتقرير ما قبلها وتبيين ما هم عليه من الجهالة والسفاهة، في أقوالهم، وأفعالهم، بإظهار سماجتها، وتصويرها بصورة لا يكاد يتعاطاها من له أدنى تمييز، فضلا عمن له عقل وبصر- فأولئك تأتي بعد صفات المدح للمدح- وبعد صفات الذم للذم.
[269]:- نحو قوله تعالى: [وأن لو استقاموا] وقوله تعالى: [أو ائتنا بعذاب أليم].
[270]:- جاء في طبقات القراء أن اسمه قعنب بن أبي قعنب أبو السمال العدوي البصري 2-27.
[271]:- اعلم أن الباء تدخل في العوض المأخوذ في جانب البيع- وعلى العوض المأخوذ في الشراء فتقول: بعت الثوب بدرهم، فالدرهم حاصل، ومأخوذ، وتقول: اشتريت الثوب بدرهم، فالدرهم متروك وغير حاصل ومن هذا قوله تعالى: [أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى] وقوله تعالى: [أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة].
[272]:- هذه العبارة أخص من العبارة قبلها، فاستحباب الضلالة أخص من أخذ الضلالة- وتجنب الهدى أخص كذلك من ترك الهدى، فإن تجنب الهدى عن قصد، وترك الهدى يكون عن قصد وعن غير قصد.
[273]:- أي ظاهر لهم.
[274]:- جواب عن سؤال وهو: كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى؟ فأجاب بأنهم جُعلوا مشترين بالهدى لتمكنهم منه بتيسير أسبابه، فكان لهم أخذه، وكان كأنه في أيديهم، فإذا تركوه إلى الضلالة فقد عطلوه واستبدلوه به فاستعير ثبوته لتمكنهم منه، والتمكن حاصل بما شاهدوه من الآيات والمعجزات.
[275]:- لما في ذلك من الضلالة والجهالة، ويعني أنه لا يجوز في فقه البيوع الشراء على أن يختار المشتري في كل ما تختلف صفة آحاده ولا يجوز فيه التفاضل- كاللحوم.
[276]:- حاصله أن الشراء إما أن يكون حقيقة، وإما أن يكون مجازا، فالقول الأول جار على من كان آمن ثم ارتد في قلبه، وإنما كان الشراء حقيقيا لأنه دفع ثمنا كان عنده، والقريب من الشيء كهو في حكمه، والقول الثاني جاز على أنه لم يؤمن من أول مرة إلا أنه كان متمكنا منه لتيسر أسبابه، والمتمكن من الشيء كأنه في يده.
[277]:- أي فهو ترشيح للمجاز لأنه يناسب الشراء المستعار، ويعين أن أعمالهم سميت تجارة لمناسبة الشراء تأليفا لجواهر النظام، والتحاما بين أجزاء الكلام. والمثل بمعنى التشبيه.