الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

قال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهُدى ، ومعناه : إنهم استبدلوا الكفر على الإيمان ، وإنّما أخرجه بلفظ الشّرى والتجارة توسّعاً ؛ لأن الشرى والتجارة راجعان إلى الإستبدال والإختيار ؛ وذلك أنّ كل واحد من البيعين يختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه ، وقال الشاعر :

أخذتُ بالجُمَّة رأساً إزْعَرَا *** وبالثنايا الواضِحات الدُّرْدُرَا

وبالطويل العُمْر عمراً جَيدَرا *** كما اشترى المسلم إذ تنصّرا

أي اختار النصرانية على الإسلام .

وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق : { اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ } بكسر الواو ؛ لأنّ الجزم يُحرّك الى الكسرة العدوى بفتحها حركة إلى أخف الحركات . { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } : أي فما ربحوا في تجارتهم .

تقول العرب : ربح بيعك ، وخسرت صفقتك ، ونام ليلك . أي ربحت وخسرت في بيعك ، ونمت في ليلك .

قال الله عزّ وجلّ : { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ } [ محمد : 21 ] ، وقال : { بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [ سبأ : 33 ] .

قال الشاعر :

وأعور من نيهان أمّا نهاره *** فأعمى وأمّا ليله فبصير

وقال آخر :

حارثُ قد فرّجت عنّي همّي *** فنام ليلي وتجلّى غمّي

وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة : ( فما ربحت تجاراتهم ) بالجمع . { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } : من الضلالة ، وقال : مصيبين في تجاراتهم .

قال سفيان الثوري : كلكم تاجر فلينظر امرؤ ما تجارته ؟ قال الله { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ } وقال : { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الصف : 10 ] .