فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

{ اشتروا } استبدلوا .

{ الضلالة } الذهاب عن الصواب وإعياء الأمر .

{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } تخلوا عن هدى الله الذي جاءهم مقابل أخذهم الزيغ والحيرة والجور عن القصد هؤلاء البعداء في الغواية وإن كان ذكرهم قريبا استبدلوا الخبيث بالطيب ، منهم من فضل الغواية منذ البداية ومنهم من أسلم ثم اتقى كالذين حكى القرآن عنهم : { ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع الله قلوبهم }{[151]} ، وإذا كانت معاوضة ومبادلة بين شيئين وصيغت مع دخول الباء على أحد العوضين فإن الباء تدخل على المتروك كما جاء في القول الحكيم { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } أي تأخذون الشيء الأدنى مقابل أن تتركوا الشيء الذي هو خير { فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين } الربح تحصيل الزيادة على رأس المال ، والتجارة التصرف في رأس المال طلبا للربح ، صفقة خاسرة تلك التي أبرمها المخادعون فلا هم ظفروا بربح ولا بقي لهم رأس المال وقد يراد بالضلال الهلاك كما في قول ربنا عز وجل { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد . . } {[152]} أي إذا أهلكنا وبلينا في القبور هل يجري علينا الإحياء ثانية والبعث والنشور كما أن الهدى قد يعني الاهتداء إلى دار الإسلام كما قال الملك العلام { والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم }{[153]} .


[151]:سورة المنافقون الآية 3.
[152]:سورة السجدة من الآية 10.
[153]:سورة محمد من الآية 4 و الآيتان 5- 6.