الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (16)

قوله : ( أُوْلاَئِكَ الذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى )[ 15 ] الآية( {[958]} ) .

أي هؤلاء الذين تقدمت صفاتهم( {[959]} ) هم الذين باعوا الهدى بالضلالة لأنهم لَمَّا مَالُوا إلى الضلالة وتركوا الهدى ، كانوا( {[960]} ) بمنزلة من باع شيئاً بشيء ، فوصفوا بذلك .

وأصل الضلالة الحيرة ، ويسمى الهالك التالف ضالاً نحو قوله : ( أَ . ذَا ضَلَلْنَا فِي الاَرْضِ )( {[961]} ) أي هلكنا وتلفنا( {[962]} ) . ومنه قوله : ( أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ )( {[963]} ) ، أي أتلفها وأهلكها ، وأبطلها . ومنه قوله ( فَلَنْ يُّضِلَّ أَعْمَالُهُمْ )( {[964]} ) أي لن يبطلها ويتلفها( {[965]} ) ويهلكها( {[966]} ) .

فكأن هؤلاء لما أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى كانوا بمنزلة من لم يربح في تجارته ، وأضاف الربح إلى التجارة لأن المعنى مفهوم وهو من اتساع العرب ومجازه . وهو كثير في القرآن أي في كتاب الله ، إذ هو من كلام العرب ، والقرآن نزل( {[967]} ) بكلامهم فلا ينكر أن يأتي القرآن بما هو في كلام العرب معروف مشهور إلا من عدم حسه وفارق فطنته ، ومثله قولهم " نَهَارُكَ صَائِمٌ وَلَيْلُكَ قَائِمٌ " ، / ومنه قوله : ( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ )( {[968]} ) . وهو كثير في الكلام والقرآن( {[969]} ) .

وحركت الواو في " اشْتَرُوا " لسكونها ، وسكون لام التعريف بعدها ، وكان الضم أولى بها لأنها واو جمع ، ولأن الضمة عليها أخف من الكسرة ، ولأن لام الفعل المحذوفة قبلها كانت مضمومة . وأصله " اشتريوا " فقلبت/ الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وحذفت الألف لسكونها وسكون الواو بعدها . وبقيت الفتحة تدل على الألف ، ولم ترد الألف عنذ حركة الواو لأن( {[970]} ) حركتها عارضة ليست بلازمة( {[971]} ) .

ويجوز في الواو الكسر والفتح( {[972]} ) . ويجوز الهمز ، وهو بعيد جداً( {[973]} ) . أتأ

وقوله : ( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )[ 15 ] .

أي لم يكونوا في علم الله السابق ممن يهتدي فيؤثر الهدى على الضلالة .


[958]:- سقط من ع3.
[959]:- في ع2، ع3: صفتهم.
[960]:- في ق: كأنه وهو خطأ.
[961]:- السجدة آية 9.
[962]:- انظر: مفردات الراغب 309.
[963]:- محمد آية 1.
[964]:- محمد آية 5.
[965]:- في ع3: أتلفها؟
[966]:- انظر: إصلاح الوجوه والنظائر 293.
[967]:- في ع3: نزول: وهو خطأ.
[968]:- سبأ آية 33.
[969]:- انظر: المحرر الوجيز 1/128، وتفسير القرطبي 1/211 والإنصاف 1/243.
[970]:- في ع3: لأن بيان.
[971]:- انظر: المحتسب 1/55، ومشكل الإعراب 1/79، والإنصاف 2/286، والبيان 1/158.
[972]:- انظر: المحتسب 1/54-55.
[973]:- انظر: الإملاء 1/20. وقد عزا ابن جني هذه القراءة إلى قيس. انظر: المحتسب 1/55.