الآية 16 : وقوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) أي اختاروا الضلالة على المدعو إليه ، وهو الهدى ، من غير أن كان عندهم الهدى ، فتركوه بالضلالة ، وهو كقوله{[216]} : ( يخرجهم من الظلمات إلى النور . . . يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) [ البقرة : 257 ] من غير [ أن ]{[217]} كانوا فيه ، فكذلك الأول ؛ تركوا الهدى بالضلالة ابتداء . وقيل : الضلالة الهلاك ؛ أي اختاروا ما به يهلكون على ما به نجاتهم ، وإن كانوا لا يقصدون شراء الهلاك بما به النجاة كقوله : ( فما أصبرهم على النار ) [ البقرة : 175 ] ، لا يقدر أحد أن يصبر على النار ، ولكن فما صبرهم على عمل يستوجبون به النار ؟ وكذلك قوله : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) [ البقرة : 90 ] أي بئسما اختاروا ما به هلاك أنفسهم على ما به نجاتهم .
وفي هذه الآية دلالة جواز البيع بغير لفظة البيع لأنهم ما كانوا يتلفظون باسم البيع ، ولكنهم كانوا يتركون الهدى بالضلالة / 4-ب/ وكل من ترك الآخر شيئا له ببدل{[218]} يأخذه منه فهو بيع ؛ وإن{[219]} لم يتكلموا بكلام البيع . وكذلك قوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) الآية [ التوبة : 111 ] ، وهو على بذل الأموال والأنفس له بالموعود{[220]} الذي وعد لهم ، وهو الجنة .
وقوله تعالى : ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا بمهتدين ) أي ما ربحوا [ في ]{[221]} تجارتهم ، لأن التجارة لا تربح ، [ ولكن بالتجارة يربح ]{[222]} ، وقد يسمى الشيء باسم سببه ، وهو كقوله : ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ) [ النمل : 86 ] ؟ والنهار لا يبصر ، وذلك شائع في اللغة جائز تسمية الشيء باسم سببه .
ثم في قوله : ( فما ربحت تجارتهم ) نفي الربح دون [ نفي ]{[223]} الأصل في الظاهر . غير أن النفي على وجهين ؛ نفي شيء يوجب إثبات ضده ؛ [ وهو ]{[224]} نفي الأصل{[225]} ، كقولك : فلان عالم ، نفيت الجهل عنه ، وفلان جاهل : نفيت العلم عنه . ونفي شيء لا يوجب إثبات ضده ؛ وهو{[226]} نفي الأعراض ، لأنك إذا نفيت لونا لم توجب{[227]} ضد ذلك اللون وقوله : ( فما ربحت تجارتهم ) نفي الأصل ، كأنه قال : بل خسرت تجارتهم ؛ أوجب إثبات ضده ؛ دليله قوله : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) [ البقرة : 90 ] ( لبئس ما كانوا يعملون ) [ المائدة : 62 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.