قوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا } . يعني الأتباع .
قوله تعالى : { لو أن لنا كرة } . أي رجعة إلى الدنيا .
قوله تعالى : { فنتبرأ منهم } . أي من المتبوعين .
قوله تعالى : { كما تبرءوا منا } . اليوم .
قوله تعالى : { كذلك } . أي كما أراهم العذاب كذلك .
قوله تعالى : { يريهم الله } . وقيل كتبرؤ بعضهم من بعض يريهم الله .
قوله تعالى : { أعمالهم حسرات } . ندامات .
قوله تعالى : { عليهم } . جمع حسرة . قيل يريهم الله ما ارتكبوا من السيئات فيتحسرون ، لم عملوا ؟ . وقيل : يريهم ما تركوا من الحسنات فيندمون على تضييعها . وقال ابن كيسان : إنهم أشركوا بالله الأوثان رجاء أن تقربهم إلى الله عز وجل ، فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسروا وندموا . قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله فيقال لهم تلك مساكنكم لو أطعتم الله ، ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يندمون ويتحسرون .
وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم ، بأن يتركوا الشرك بالله ، ويقبلوا على إخلاص العمل لله ، وهيهات ، فات الأمر ، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار ، ومع هذا ، فهم كذبة ، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنما هو قول يقولونه ، وأماني يتمنونها ، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم ، فرأس المتبوعين على الشر ، إبليس ، ومع هذا يقول لأتباعه لما قضي الأمر { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ }
( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا ) . .
وتبدى الحنق والغيظ من التابعين المخدوعين في القيادات الضالة . وتمنوا لو يردون لهم الجميل ! لو يعودون إلى الأرض فيتبرأوا من تبعيتهم لتلك القيادات العاجزة الضعيفة في حقيقتها ، التي خدعتهم ثم تبرأت منهم أمام العذاب !
إنه مشهد مؤثر : مشهد التبرؤ والتعادي والتخاصم بين التابعين والمتبوعين . بين المحبين والمحبوبين ! وهنا يجيء التعقيب الممض المؤلم :
( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ، وما هم بخارجين من النار ) . .
وقوله : { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا } أي : لو أن لنا عَوْدة{[3042]} إلى الدار الدنيا حتى نَتَبَرَّأ من هؤلاء ومن عبادتهم ، فلا نلتفت إليهم ، بل نوحد الله وحده بالعبادة . وهم كاذبون في هذا ، بل لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه . كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك ؛ ولهذا قال : { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } أي : تذهب وتضمحل كما قال الله تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [ الفرقان : 23 ] .
وقال تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } الآية [ إبراهيم : 18 ] ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً } الآية [ النور : 39 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } .
{ وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا } { لو } للتمني ولذلك أجيب بالفاء ، أي ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم { كذلك } مثل ذلك الآراء الفظيع . { يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم } ندامات ، وهي ثالث مفاعيل يرى أن كان من رؤية القلب وإلا فحال { وما هم بخارجين من النار } أصله وما يخرجون ، فعدل به إلى هذه العبارة ، للمبالغة في الخلود والأقناط عن الخلاص والرجوع إلى الدنيا .
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ( 167 )
وقوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا } الآية ، المعنى وقال الأتباع الذين تبرىء منهم : لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحاً ونتبرأ منهم ، والكرة : العودة إلى حال قد كانت ، ومنه قول جرير( {[1524]} ) : [ الكامل ]
ولقد عطفن على فزارة عطفة . . . كر المنيح وجلن ثم مجالا( {[1525]} )
والمنيح هنا : أحد الأغفال من سهام الميسر( {[1526]} ) ، وذلك أنه إذا خرج من الربابة( {[1527]} ) رد لفوره لأنه لا فرض فيه ولا حكم عنه ، والكاف من قوله { كما } في موضع نصب على النعت إما لمصدر أو لحال( {[1528]} ) تقديرها متبرئين كما ، والكاف من قوله { كذلك يريهم } قيل : هي في موضع رفع على خبر ابتداء تقديره الأمر كذلك ، وقيل : هي كاف تشبيه مجردة ، والإشارة بذلك إلى حالهم وقت تمنيهم الكرة .
والرؤية في الآية هي من رؤية البصر ، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب ، و { أعمالهم } قال الربيع وابن زيد المعنى : الفاسدة التي ارتكبوها فوجبت لهم بها النار ، وقال ابن مسعود والسدي المعنى : الصالحة التي تركوها ففاتتهم الجنة ، ورويت في هذا القول أحاديث ، وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها ، وأما إضافة الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها ، و { حسرات } حال على أن تكون الرؤية بصرية ، ومفعول على أن تكون قلبية ، والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات ، وهي مشتقة من الشيء الحسير الذي قد انقطع وذهبت قوته كالبعير والبصر ، وقيل هي من حسر إذا كشف( {[1529]} ) ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «يحسر الفرات عن جبل من ذهب »( {[1530]} ) .