نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ} (167)

{ وقال الذين اتبعوا } وهم الأذناب متمنين للمحال ندماً على اتباع من لا ينفع{[6367]} حيث لا ينفع الندم { لو أن لنا كرة } أي رجعة إلى الدنيا . وقال الحرالي : {[6368]}هي رجع{[6369]} وعودة{[6370]} عند غاية فرّة{[6371]} - انتهى . {[6372]}ولما كانت " لو " بمعنى التمني نصب جوابها{[6373]} فقال { فتبرأ منهم } أي الرؤساء هناك ونذلهم { كما تبرؤوا منا } وأذلّونا هنا .

وقال الحرالي : فيه إنباء عن تأسفهم على اتباع من دون ربهم ممن اتبعوا وإجراء لتأسفهم على وجه متوهم غير محقق على حد ما كان تمسكهم{[6374]} بهم متوهم انتفاع غير محقق ، ففيه إثبات لحالهم في الآخرة على ما كان ينالهم{[6375]} في الدنيا من الأخذ بالموهوم{[6376]} والغيبة عن المعلوم - انتهى .

ولما كانت هذه الأشياء بعضها ثمرة أعمالهم وبعضها حكاية أقوالهم{[6377]} قال تعالى : على طريق الاستئناف {[6378]}جواباً لمن يقول : لقد رأوا جزاء عقائدهم فهل يرون جزاء أعمال الجوارح{[6379]} { كذلك } أي الأمر الفظيع المهول { يريهم الله }{[6380]} الذي له القدرة التامة والعظمة الكاملة{[6381]} { أعمالهم } الخبيثة وغيرها { حسرات عليهم } أي تلهفاً على ما فات ، إطلاقاً للمسبب على السبب {[6382]}وأشار بأداة الاستعلاء إلى غلبتهم وشدة هوانهم فقال{[6383]} : { عليهم } وقال الحرالي : لما{[6384]} كانت عقائدهم فيهم{[6385]} حسرات أراهم أعمالهم التي عملوها{[6386]} لابتغاء الخير في الدنيا حسرات{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً {[6387]}* }[ الفرقان : 23 ] كما كان عمل من قلبه{[6388]} محب ومتأ له{[6389]} لما دون الله ، وفيه إشعار بأن عمل كل عامل مردود إلى ما اطمأن به قلبه وسكنت إليه نفسه وتعلق به خوفه ورجاؤه ، فمن غلب على سره شيء فهو ربه الذي يصرف عمله إليه ، فلا يجد عنده جزاء لتبرئه منه فيصير حسرة عليه ، فأنبأ سبحانه وتعالى بأنهم لا ينصرونهم في الآخرة ولا يجزونهم{[6390]} على أعمالهم ، فلم ينفعهم تألههم{[6391]} إياهم ، والمتبوع منهم{[6392]} متأله لنفسه فلم يجد عندها جزاء عمله ، فتحسر كل منهم على ما عمل من عمل الخير لإحباطه{ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك{[6393]} }[ الزمر : 65 ] والحسرة أشد الأسف على الفائت الذي{[6394]} يحسر المتلهف أي يقطعه عما تحسر عليه - انتهى . ويدخلون بأعمالهم النار { وما هم } {[6395]}أي{[6396]} بفائت{[6397]} خروجهم بل هم وإن خرجوا من السعير إلى الزمهرير يعودون إليه { بخارجين{[6398]} من النار * } يوماً من الأيام ولا ساعة من الساعات بل هم خالدون فيها على طول{[6399]} الآباد ومر الأحقاب ، {[6400]}بخلاف عصاة المؤمنين فإنهم إذا خرجوا منها لم يعودوا إليها{[6401]} . قال الحرالي : و{[6402]}فيه إشعار بقصدهم الفرار منها والخروج كما قال سبحانه وتعالى :{ كلما أرادوا{[6403]} أن يخرجوا منها أعيدوا فيها{[6404]} }[ السجدة : 20 ] فأنبأ تعالى أن وجهتهم للخروج لا تنفعهم ، فلم تبق{[6405]} لهم منّة تنهضهم منها حتى ينتظم{[6406]} قطع رجائهم{[6407]} من منة أنفسهم بقطع رجائهم ممن اعتلقوا به من شركائهم ولم يكن{ وما هم منها بمخرجين{[6408]} }[ الحجر : 48 ] كما{[6409]} قال في أهل الجنة للإشعار بأن اليأس والانقطاع واقع منهم على أنفسهم ، فكما كان بوادي أعمالهم في الدنيا من أنفسهم عندهم جرى نبأ{[6410]} جزائها على حد ذلك في{[6411]} المعنى{[6412]} كما{[6413]} قال : أعمال أهل الجنة عندهم من توفيق ربهم جرى ذكر{[6414]} جزائهم على حد ذلك من المعنى بحسب ما يقتضيه اختلاف الصيغتين - انتهى . ولعل الآية ناظرة{[6415]} إلى قوله أول السورة{ ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين }[ البقرة : 8 ] يعني كما أن في أهل الكتاب منافقين ومصارحين فكذلك في العرب ، فصار قوله{[6416]} :{ إن الذين كفروا سواء عليهم }[ البقرة : 6 ] شاملاً{[6417]} للأقسام الأربعة ، ثم أتبع ذلك المنافقين من العرب ثم المنافقين{[6418]} والمشاققين{[6419]} من أهل الكتاب ثم المجاهرين{[6420]} من العرب فصار قسما العرب مكتنفين{[6421]} لقسمي أهل الكتاب إشارة إلى أنهم المقصودون بالذات وأنه سيؤمن أكثرهم ويغلبون أهل الكتاب ويقتلونهم قتل{[6422]} الكلاب ؛


[6367]:في الأصل: لا يقع، والتصحيح من م و ظ ومد
[6368]:في م فقط: أي رجعة
[6369]:في م فقط: أي رجعة
[6370]:من م و مد و ظ، وفي الأصل فقط: دعوة
[6371]:من م و مد وفي الأصل: قرة وفي ظ: قوة
[6372]:العبارة من هنا إلى "فقال" ليست في ظ
[6373]:في م: جوابا
[6374]:في م: تأسفهم
[6375]:في ظ: حالهم
[6376]:في م: الموهم
[6377]:في ظ: أعمالهم
[6378]:ليست في ظ
[6379]:ليست في ظ
[6380]:ليست في ظ
[6381]:ليست في ظ
[6382]:ليست في ظ
[6383]:ليست في ظ
[6384]:في ظ: ومد: كما
[6385]:في ظ ومد و"في"
[6386]:و {أعمالهم} قيل هي الأعمال التي صنعوها، وأضيفت إليهم من حيث عملوها وأنهم مأخوذون بها، وهذا على قول من يقول إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهذا معنى قول الربيع وابن زيد إنها الأعمال السيئة التي ارتكبوها فوجب لهم بها النار، وقال ابن مسعود والسدي: المعنى أعمالهم الصالحة التي تركوها ففاتهم الجنة، وأضيفت إليهم من حيث كانوا مأمورين بها – البحر المحيط 1/ 475.
[6387]:سورة 25 آية 23
[6388]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: قبله
[6389]:من م ومد، وفي الأصل: مناله، وفي ظ: مقاله
[6390]:من م و ظ، وفي مد: لا تجزونهم، وفي الأصل: لا يجزوهم
[6391]:من م و مد و ظ، وفي الأصل: بالههم
[6392]:ليس في م
[6393]:سورة 39 آية 65
[6394]:في م: التي
[6395]:العبارة من هنا إلى "يعودون إليه" لست في ظ
[6396]:زيد في م ومد: خاصة وأكد النفي بالجار فقال بخارجين أي.
[6397]:في مد: بثابت.
[6398]:ليس في م ومد
[6399]:من م و ظ ومد، وفي الأصل: طور
[6400]:ليست في ظ
[6401]:ليست في ظ
[6402]:ليس في مد
[6403]:زيد من م و مد و ظ، وقد سقط من الأصل
[6404]:زيد من م – راجع سورة 33 آية 20
[6405]:في ظ: فلم يبق
[6406]:في م: ينقطع
[6407]:في ظ: درجاتهم
[6408]:سورة 15 آية 48
[6409]:ليس في م ومد
[6410]:من م وكد و ظ، وفي الأصل: بنا - كذا
[6411]:ليس في م
[6412]:زيد في مد: و
[6413]:العبارة من هنا إلى "من المعنى" ليست في م
[6414]:من ظ و مد، وفي الأثل: ذلك.
[6415]:من م ومد و ظ، وفي الأصل: نظرة.
[6416]:ليس في ظ
[6417]:في م: شامل
[6418]:ليس في م
[6419]:ليس في م
[6420]:في م: المجاهدين.
[6421]:في ظ: مكتفين
[6422]:من ظ ومد، وفي الأصل: قتلا