فعلم كل أحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله ، مع علمهم بذلك ، ولهذا قال تعالى { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الكفر والمعاصي ، لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة ، فالموت أكره شيء إليهم ، وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس ، حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب .
ويعقب على هذا التحدي بتقرير أنهم لن يقبلوا المباهلة ، ولن يطلبوا الموت . لأنهم يعلمون أنهم
كاذبون ؛ ويخشون أن يستجيب الله فيأخذهم . وهم يعلمون أن ما قدموه من عمل لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة . وعندئذ يكونون قد خسروا الدنيا بالموت الذي طلبوه ، وخسروا الآخرة بالعمل السيىء الذي قدموه . . ومن ثم فإنهم لن يقبلوا التحدي . فهم أحرص الناس على حياة . وهم والمشركون في هذا سواء :
( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم . والله عليم بالظالمين . ولتجدنهم أحرص الناس على حياة . ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة . وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، والله بصير بما يعملون ) .
لن يتمنوه . لأن ما قدمته أيديهم للآخرة لا يطمعهم في ثواب ، ولا يؤمنهم من عقاب . إنه مدخر لهم هناك ، والله عليم بالظالمين وما كانوا يعملون .
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب . فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } أي : بِعِلْمِهِم بما عندهم من العلم بك ، والكفر بذلك ، ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ } فسلوا الموت .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، قوله : { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قال : قال ابن عباس : لو تمنى اليهود الموت لماتوا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسِي ، حدثنا عثام ، سمعت الأعمش - قال : لا أظنه إلا عن المِنْهال ، عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس ، قال : لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه .
وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس .
وقال ابن جرير في تفسيره : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا . ولرأوا مقاعدهم من النار . ولو خرج الذين يُباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون{[2186]} أهلا ولا مالا " . حدثنا بذلك أبو كُرَيْب ، حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله{[2187]} بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد{[2188]} الرقي [ أبي يزيد ]{[2189]} حدثنا فرات ، عن عبد الكريم ، به{[2190]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أحمد [ قال ]{[2191]} : حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار ، حدثنا سرور بن المغيرة ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، قال : قول الله ما كانوا ليتمنوه بما قدمت أيديهم . قلت : أرأيتك لو أنهم أحبوا الموت حين قيل لهم : تمنوا ، أتراهم كانوا ميتين ؟ قال : لا والله ما كانوا ليموتوا ولو تمنوا الموت ، وما كانوا ليتمنوه ، وقد قال الله ما سمعت : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }
وهذا غريب عن الحسن . ثم هذا الذي فسر به ابن عباس الآية و المتعين ، وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة ، ونقله{[2192]} ابن جرير عن قتادة ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، رحمهم الله .
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجمعة : 6 - 8 ] فهم - عليهم لعائن الله - لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى ، دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم ، أو من المسلمين . فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد{[2193]} أنهم ظالمون ؛ لأنهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك ، فلما تأخروا علم كذبهم . وهذا{[2194]} كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة ، وعتوّهم وعنادهم إلى المباهلة ، فقال تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض : والله لئن باهلتم هذا النبيّ لا يبقى منكم عين تطرف . فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فضربها عليهم . وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه ، أمينًا . ومثل هذا المعنى أو قريب منه قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } [ مريم : 75 ] ، أي : من كان في الضلالة منا أو منكم ، فزاده الله مما هو فيه ومَدّ له ، واستدرجه ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، إن شاء الله{[2195]} .
فأما من فسر الآية على معنى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : إن كنتم صادقين في دعواكم ، فتمنوا الآن الموت . ولم يتعرض هؤلاء للمباهلة كما قرره طائفة من المتكلمين وغيرهم ، ومال إليه ابن جرير بعد ما قارب القول الأول ؛ فإنه قال : القول في تفسير{[2196]} قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وهذه الآية مما احتج الله به لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مُهَاجَره ، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم ؛ وذلك أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قضية عادلة بينه وبينهم ، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف ، كما أمره أن يدعو الفريق الآخر من النصارى إذا خالفوه في عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وجادلوه فيه ، إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة . فقال لفريق [ من ]{[2197]} اليهود : إن كنتم محقين فتمنوا الموت ، فإن ذلك غير ضار بكم{[2198]} إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله ، بل أعطيكم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم ، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها ، والفوز بجوار الله في جناته{[2199]} إن كان الأمر كما تزعمون : من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا . وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا ، وانكشف أمرنا وأمركم لهم فامتنعت اليهود من الإجابة إلى ذلك لعلمها{[2200]} أنها إن تمنت الموت هلكت ، فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها ، كما امتنع فريق [ من ]{[2201]} النصارى .
فهذا الكلام منه أوله حسن ، وأما آخره فيه نظر ؛ وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل ، إذ يقال : إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنوا الموت فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت ، وكم من صالح لا يتمنى الموت ، بل يود أن يعمر ليزداد خيرًا وترتفع درجته في الجنة ، كما جاء في الحديث : " خيركم من طال عمره وحسن عمله " {[2202]} . [ وجاء في الصحيح النهي عن تمني الموت ، وفي بعض ألفاظه : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنًا فلعله أن يزداد ، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب " {[2203]} ]{[2204]} . ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا : فها أنتم تعتقدون - أيها المسلمون - أنكم أصحاب الجنة ، وأنتم لا تتمنون في حال الصحة الموت ؛ فكيف تلزمونا بما لا نُلزمكم ؟
وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى ، فأما على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك ، بل قيل لهم كلام نَصَف : إن كنتم تعتقدون أنكم{[2205]} أولياء الله من دون الناس ، وأنكم أبناء الله وأحبّاؤه ، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم [ من ] {[2206]}أهل النار ، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم ، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة . فلما تيقَّنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه . فعلم كل أحد باطلهم ، وخزيهم ، وضلالهم وعنادهم - عليهم لعائن الله المتتابعة{[2207]} إلى يوم القيامة .
[ وسميت هذه المباهلة تمنيًا ؛ لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له فيها بيان حقه وظهوره ، وكانت المباهلة بالموت ؛ لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت ]{[2208]} .
ولهذا قال تعالى : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين } .
{ وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمينَ }
وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن اليهود وكراهتهم الموت وامتناعهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمني الموت ، لعلمهم بأنهم إن فعلوا ذلك فالوعيد بهم نازل والموت بهم حالّ ، ولمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول من الله إليهم مرسل وهم به مكذّبون ، وأنه لم يخبرهم خبرا إلا كان حقّا كما أخبر ، فهم يحذرون أن يتمنوا الموت خوفا أن يحلّ بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب ، كالذي :
حدثني محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد فيما يروي أبو جعفر ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : { قُلْ إنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الاَخِرَةُ } الآية ، أي ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب ، فَأبَوْا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } أي لعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أبَدا } يقول : يا محمد ولن يتمنوه أبدا لأنهم يعلمون أنهم كاذبون ، ولو كانوا صادقين لتمنوه ورغبوا في التعجيل إلى كرامتي ، فليس يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { فَتَمَنّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وكانت اليهود أشدّ فرارا من الموت ، ولم يكونوا ليتمنوه أبدا .
وأما قوله : { بِمَا قَدَمَتْ أيْدِيهِمْ } فإنه يعني به بما أسلفته أيديهم . وإنما ذلك مثل على نحو ما تتمثل به العرب في كلامها ، فتقول للرجل يؤخذ بجريرة جرّها أو جناية جناها فيعاقب عليها : نالك هذا بما جنت يداك ، وبما كسبت يداك ، وبما قدمت يداك فتضيف ذلك إلى اليد ، ولعلّ الجناية التي جناها فاستحقّ عليها العقوبة كانت باللسان أو بالفرج أو بغير ذلك من أعضاء جسده سوى اليد .
قال : وإنما قيل ذلك بإضافته إلى اليد لأن عظم جنايات الناس بأيديهم ، فجرى الكلام باستعمال إضافة الجنايات التي يجنيها الناس إلى أيديهم حتى أضيف كل ما عوقب عليه الإنسان مما جناه بسائر أعضاء جسده إلى أنها عقوبة على ما جنته يده فلذلك قال جل ثناؤه للعرب : { ولَنْ يَتَمَنّوْهُ أبَدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } يعني به : ولن يتمنى اليهود الموت بما قدموا أمامهم من حياتهم من كفرهم بالله في مخالفتهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، ويعلمون أنه نبيّ مبعوث . فأضاف جل ثناؤه ما انطوت عليه قلوبهم وأضمرته أنفسهم ونطقت به ألسنتهم من حسد محمد صلى الله عليه وسلم ، والبغي عليه ، وتكذيبه ، وجحود رسالته إلى أيديهم ، وأنه مما قدمته أيديهم ، لعِلمَ العرب معنى ذلك في منطقها وكلامها ، إذ كان جل ثناؤه إنما أنزل القرآن بلسانها وبلغتها . وروي عن ابن عباس في ذلك ما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } يقول : بما أسلفت أيديهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : { بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } قال : إنهم عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبيّ فكتموه .
وأما قوله : { واللّهُ عَلِيم بالظالِمِينَ } فإنه يعني جل ثناؤه : والله ذو علم بظَلَمَةِ بني آدم : يهودِها ونصاراها وسائر أهل الملل غيرها ، وما يعملون . وظلم اليهود كفرهم بالله في خلافهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا يستفتحون به وبمبعثه ، وجحودهم نبوّته وهم عالمون أنه نبيّ الله ورسوله إليهم . وقد دللنا على معنى الظالم فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }( 95 )
ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه ، و { أبداً } ظرف زمان وإذا كانت «ما » بمعنى الذي فتحتاج إلى عائد تقديره قدمته ، وإذا كانت مع قدمت بمثابة المصدر غنيت عن الضمير ، هذا قول سيبويه ، والأخفش يرى الضمير في المصدرية ، وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي وأسند تقديمها إليها إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه ، فحمل جميع الأشياء على ذلك .
وقوله تعالى : { والله عليم بالظالمين } ظاهرها الخبر ومضمنها الوعيد( {[975]} ) ، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم ، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد .