95-ولن يتمنوا أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين . أي : لا يتمنى اليهود الموت أبدا بسبب ما قدمت أيديهم من آثام ، والله عز وجل لا تخفى عليه خافية من سيئاتهم واعتداءاتهم بل هو سيسجلها عليهم ويجازيهم عليها الجزاء الذي يستحقونه .
واختار ابن كثير في تفسيره أن المراد من الآيتين الدعاء بالموت على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة .
روى عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن ذلك يكون عن طريقة المباهلة بأن يحضروا مع المؤمنين في صعيد واحد ثم يدعوا الفريقان بالموت على الكاذب منها .
وروى ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال : «لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه » ( 229 ) . وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس . وروى ابن جرير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا » رواه الإمام أحمد( 230 ) .
وعلق ابن كثير على الكلام السابق بقوله :
وهذا الذي فسر به ابن عباس الآية هو المتعين ، وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب : منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة ، نقله ابن جرير عن قتادة وأبى العالية والربيع بن أنس ، نظير هذه الآية في قوله تعالى في سورة الجمعة : قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين( 6 ) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين( 7 ) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون( 8 ) . ( الجمعة6-8 ) .
فهم عليهم لعائن الله لما زعموا أنهم أنبياء الله وأحباؤه ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، دعوا إلى المباهلة والدعاء إلى أكذب الطائفتين منهم أو من المسلمين فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون ، لأنهم لو كانوا جاذمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك ، فلما تأخروا علم كذبهم ، وهذا كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة وعتوهم وعنادهم إلى المباهلة ، فقال تعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين . ( آل عمران : 61 ) .
فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض : والله لئن باهلتم هذا النبي لا يبقى منكم عين تطرف ، فعند ذلك جنحوا إلى السلم وبذل الجزية عن يد وهم صاغرون ، فضربها عليهم وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح أمينا ، ومثل هذا المعنى أو قريب منه قوله تعالى لنبيه أن يقول للمشركين : قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا . أي من كان في الضلالة منا أو منكم فزاده الله مما هو فيه ومد له واستدرجه( 231 ) .
وقد انتصر ابن كثير لرأى ابن عباس وبين أنه هو المتعين في تفسير الآية . وهاجم رأى جمهور المفسرين الذين قالوا معنى . إن كنتم صادقين . في دعواكم فتمنوا الموت الآن ، لم يتعرض هؤلاء للمباهلة .
وقد انتصر بعض المفسرين المحدثين لرأى الجمهور ورجحه لأنه اقرب إلى موافقة اللفظ الذي نطقت به الآية وأقرب أيضا إلى معناها( 232 ) .
وأرى أن كلا التفسيرين محتملان في فهم الآية ولا حاجة بنا إلى إبطال أحدهما ولا يمنع أن يفهم منها المعنى الآخر ، ومن أسرار الإعجاز القرآني ، أن الآية تفيد معنى وتشير إلى معنى وتستتبع معنى .
وهي في ذاتها قطعة من الأدب الرفيع على السبك المحكم أو الرد المفحم أو الحجة البالغة .
ولعل من المعاني التي تشير إليها الآية أن المؤمن لا يهاب الموت ولا يرهب الردى ثقة منه بأن أجله محدود ، ورزقه مقسوم ، والموت رحلة إلى الآخرة ، يشاهد فيها المؤمن ما أعد للأبرار ، ويقدم على العزيز الغفار ، مطمئنا راضيا مرضيا .
وقد روي عن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم تمنى الموت عند القتال ، معبرين بألسنتهم عما يجول في صدورهم ، من صدق الإيمان بما أعد للمؤمنين من الدار الآخرة ، فقد جاء في الأخبار أن عبد الله بن رواحة كان ينشد وهو يقاتل الروم :
يا حبذا الجنة واقترابها **** طيبة وبارد شرابها
وأن عمار بن ياسر قال في حرب صفين :
غدا نلقى الأحبه **** محمدا وصحبه
أرى كلنا يهوى الحياة بسعيه ****حرصا عليها مستلهما بها صبا
فحب الجبان النفس أرده التقى**** وحب الشجاع النفس أورده الحربا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.