فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

{ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون } .

{ ولن يتمنوه أبدا } هو ظرف زمان يصدق بالماضي والمستقبل تقول ما فعلت أبدا ذكره السمين ، وقال هنا { لن } وفي الجمعة { لا } لأن لن أبلغ في النفي من لا ودعواهم هنا بالغة قاطعة فناسب ذكر لن فيها ، ودعواهم في الجمعة قاصرة مردودة وهي زعمهم أنهم أولياء الله فناسب ذكر

{ لا } فيها { بما قدمت أيديهم } أي بما قدمته من الذنوب التي يكون فاعلها غير آمن من العذاب بل غير طامع في دخول الجنة فضلا عن كونها خالصة له مختصة به ، وإنما أضاف العمل إلى اليد لأن أكثر جنايات الإنسان تكون خالصة له مختصة به ، وإنما أضاف العمل إلى اليد لأن أكثر جنايات الإنسان تكون من يده .

وقيل أن الله سبحانه صرفهم عن التمني ليجعل ذلك لنبيه ، والمراد بالتمني هنا هو التلفظ بما يدل عليه لا مجرد خطوة بالقلب وميل النفس إليه ، فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجة ومواطن الخصومة ومواقف التحدي ، وفي تركهم للتمني أو صرفهم عنه معجزة لرسول الله فإنهم قد كانوا يسلكون من التعجرف والتجري على الله وعلى أنبيائه بالدعاوى الباطلة في غير موطن ما قد حكاه عنهم التنزيل ، فلم يتركوا عادتهم هنا إلا لما قد تقرر عندهم من أنهم إذا فعلوا ذلك التمني نزل بهم الموت إما لأمر قد علموه أو للصرفة من الله عز وجل ، وقد يقال قد ثبت النهي عن النبي في شريعته ، ويجاب بأن المراد هنا إلزامهم الحجة وإقامة البرهان على بطلان دعواهم .

عن ابن عباس قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا اللهم أمتنا ، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ، وعنه لو أن اليهود تمنوا لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار { والله عليم بالظالمين } فيه تخويف وتهديد لهم ، وإنما خصهم بالظلم لأنه أعم من الكفر لأن كل كافر ظالم وليس كل ظالم كافر ولهذا كان أعم وكانوا أولى به .