قوله : " وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ " خبر قاطع عن أنّ ذلك لا يقع في المستقبل ، وهذا إخبار عن الغيب ؛ لأن من توفّر الدواعي على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وسهولة الإتيان بهذه الكلمة أخبر أنهم لا يأتون بذلك ، فهذا إخبار جازم عن أمر قامت الأمارات على ضدّه ، فلا يمكن الوصول إليه إلا بالوحي .
قوله : " أبداً " منصوب ب " يتمنّوه " ، وهو ظرف زمان يقع للقليل والكثير ، ماضياً كان أو مستقبلاً .
قال القرطبي : كالحين والوقت ، وهو هاهنا من أول العمر إلى الموت تقول : ما فعلته أبداً .
وقال الراغب هو عبارة عن مدّة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وذلك أنه يقال : زمان كذا ، ولا يقال : أبدُ كذا ، وكان من حقّه على هذا أَلاَّ يثنى ولا يجمع ، وقد قالوا : آباد ، فجمعوه لاختلاف أنواعه .
وقيل : آباد لغة مولّدة ، ومجيئه بعد " لن " يدلّ على أن نفيها لا يقتضي التأبيد ، وقد تقدم غير ذلك ، ودعوى التأكيد فيه بعيدة .
واعلم أن هذا إخبار عن غيب آخر ، لأنه أخبر أن ذلك لا يوجد في شيء من الأزمنة ، ولا شك أن الإخبار عن عدمه بالنسبة إلى عموم الأوقات{[8]} فهما غَيْبان ، وقال هنا : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ } [ البقرة : 95 ] فنفى ب " لن " ، وفي الجمعة ب " لا " [ قال صاحب " المنتخب " : ] وذلك لأن دعواهم هنا أعظم من دعواهم هناك ؟ لأن السعادة القُصْوَى فوق مرتبة الولاية ؛ لأن الثانية تراد لحصول الأولى ، فإنهم ادعوا هنا أنَّ الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس ، وادعوا في سورة " الجمعة " أنهم أولياء لله من دون النَّاس ، والسعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب ؛ ومرتبة الولاية وإن كانت شريفةً إلا أنها لا تراد ليتوسّل بها إلى الجنة ، فلما كانت الأولى أعظم لا جَرَمَ ورد النفي ب " لن " ؛ لأنه أبلغ من النفي ب " لا " .
قوله : { بما قَدَّمَتْ أيديهم } بيان للعلّة التي لها لا يتمنّون ؛ لأنهم إذا علموا سوء طرقهم وكثرة ذنوبهم دعاهم ذلك إلى عدم تمنّي الموت ، وهذه الجملة متعلّقة ب " يتمنّوه " ، والباء للسببية ، أي : بسبب اجْتِرَاحِهِم العظائم ، و " أيديهم " في محلّ رفع حذفت الضمة من الباء لثقلها مع الكسرة .
و " ما " يجوز فيها ثلاثة أوجه :
أظهرها : كونها موصولةً بمعنى " الذي " .
والثاني : نكرة موصوفة ، والعائد على كلا القولين محذوف ، أي : بما قدّمته ، فالجملة لا محلّ لها على الأولى ، ومحلّها الجر على الثاني .
والثالث : أنها مصدرية أي : بِتَقْدِمَةِ أيديهم .
ومفعول " قدمت " محذوف أي : بما قدمت أيديهم الشَّر ، أو التبديل ونحوه .
قوله : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } ابتداء وخبر ، وهذا كالزَّجْر والتهديد ؛ لأنه إذا كان عالماً بالسر والنجوى لا يخفى عليه شيء صار ذلك من أعظم الصَّوَارف للمكلّف عن المعاصي ، وإنما ذكر الظالمين ؛ لأن كلّ كافر ظالم ، وليس كلّ ظالم كافراً ، فذكر الأعم ؛ لأنه أولى بالذكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.