الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

قولُه تعالى : { أَبَداً } . . منصوبٌ بَيَتَمَنَّوْه ، وهو ظرفُ زمانٍ يقعُ للقليلِ والكثيرِ ، ماضياً كانَ أو مستقبلاً ، تقول : ما فَعَلْتُه أبداً ، وقال الراغب : " هو عبارةٌ عن مدةِ الزمانِ الممتدِّ الذي لا يَتَجزَّأ كما يتجزَّأُ الزمانُ ، وذلك أنه يقال : زمانَ كذا ولا يُقال : أبدَ كذا ، وكان مِنْ حَقِّه على هذا ألاَّ يُثَنَّى ولا يُجْمَعَ ، وقد قالوا : آباد فجَمَعوه لاختلافِ أنواعِه ، وقيل : آباد لغةٌ مُوَلَّدَةٌ ، ومجيئُه بعد " لَنْ " يَدُلُّ على أن نَفْيَها لا يقتضي التأبيدَ ، وقد تقدَّم ذلك ، ودَعْوى التأكيدِ فيه بعيدةٌ " . وقال هنا : " ولن يَتَمَنَّوْه " فنَفى بلن وفي الجمعة ب " لا " قال صاحب المنتخب : " لأنَّ دَعْواهم هنا أعظمُ مِنْ دعواهُمْ هناك لأنَّ السعادةَ القُصْوى فوق مرتبةِ الولايةِ ، لأنَّ الثانيةَ تُراد لحصولِ الأولى ، والنفيُ ب " لن " أَبْلَغُ مِن النفي بِ " لا " .

قوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } متعلِّقٌ بيتمنَّوْه ، والباءُ للسببية أي بسببِ اجتراحِهم العظائمَ . و " ما " يجوزُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ ، أَظْهَرُها : كونُها موصولةً بمعنى الذي . والثاني : نكرةٌ موصوفةٌ والعائدُ على كلا القولَيْنِ محذوفٌ أي : بما قَدَّمَتْه ، فالجملةُ لا محلَّ لها على الأولِ ، ومحلُّها الجرُّ على الثاني . والثالث : أنَّها مصدريَّةٌ أي : بتَقْدِمَةِ أيديهِم . ومفعولُ " قَدَّمَتْ " محذوفٌ أي : بما قَدَّمَتْ أيدِيهم الشرَّ أو التبديلَ ونحوَه .