قوله تعالى : { أم يقولون } بل يقولون ، يعني : هؤلاء المقتسمين الخراصين ، { شاعر } أي : هو شاعر ، { نتربص به ريب المنون } حوادث الدهر وصروفه فيموت ويهلك كما هلك من قبله من الشعراء ، ويتفرق أصحابه وإن أباه مات شاباً ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه ، والمنون يكون بمعنى الدهر ، ويكون بمعنى الموت ، سميا بذلك لأنهما يقطعان الأجل .
وتارة { يَقُولُونَ } فيه : إنه { شَاعِرٌ } يقول الشعر ، والذي جاء به شعر ،
والله يقول : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ }
{ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } أي : ننتظر به الموت{[881]} فسيبطل أمره ، [ ونستريح منه ] .
وقوله : أمْ يَقُولُونَ شاعِر نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ يقول جلّ ثناؤه : بل يقول المشركون : يا محمد لك : هو شاعر نتربص به حوادث الدهر ، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه ، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا . وقال بعضهم : هو الموت . ذكر من قال : عنى بقوله : رَيْبَ المَنُونِ : حوادث الدهر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : رَيْبَ المَنُون قال : حوادث الدهر .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد رَيْبَ المَنُونِ حوادث الدهر . ذكر من قال : عنى به الموت .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَيْبَ المَنُونِ يقول : الموت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال : يتربصون به الموت .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال : قال ذلك قائلون من الناس تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الموت يكفيكموه ، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : رَيْبَ المَنُونِ قال : هو الموت ، نتربص به الموت ، كما مات شاعر بني فلان ، وشاعر بني فلان .
وحدثني سعيد بن يحيى الأموي ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن قبله من الشّعراء زُهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ الموت ، وقال الشاعر :
تَرَبّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلّها *** سَيَهْلِكُ عَنْها بَعُلُها أو «تُسَرّحُ »
وقال آخرون : معنى ذلك : ريب الدنيا ، وقالوا : المنون : الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان رَيْبَ المَنُونِ قال : ريب الدنيا ، والمنون : الموت .
وقوله تعالى : { أم يقولون شاعر } الآية ، روي أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال قائل منهم : { تربصوا به ريب المنون } فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى وغيرهم ، فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك ، والتربص : الانتظار ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
تربص بها ريب المنون لعلها . . . تطلق يوماً أو يموت حليلها{[10651]}
لعلها سيهلك عنها زوجها أو سيجنح . . . {[10652]}