المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

95- إن دلائل قدرة الله على البعث ، واستحقاقه وحده للعبادة ، وبعثه للناس من قبورهم ، متوافرة متنوعة ، فهو وحده الذي يشق الحب ، ويخرج منه النبات ، ويشق النوى ويخرج منه الشجر ، ويخرج الحي من الميت كالإنسان من التراب ، ويخرج الميت من الحي كاللبن من الحيوان ، ذلك القادر العظيم هو الإله الحق ، فليس هناك صارف يصرفكم عن عبادته إلى عبادة غيره{[61]} .


[61]:من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى خلق الحب والنوى والجنين في كل مكان منها يشغل حيزا ضيقا منها. أما باقي جسم الحبة أو النواة فيتكون من مواد مكتنزة غير حية وعندما يتنبه الجنين ويبدأ في الإنبات تتحول هذه المواد المكتنزة إلى حالة صالحة لتغذية الجنين ويبدأ في النمو وتتكون الخلايا الحية حتى تنتقل الحبة الثانية من طور الإنبات إلى طور البادرة فيبدأ النبات في الاعتماد على غذائه من الأملاح المذابة في ماء التربة التي يمتصها الجنين مع تكون الأوراق الخضراء من مواد كربوايدراتية كالسكريات والنشويات في وجود ضوء الشمس وعندما تتم دورة حياة النبات تتكون الثمار وبداخلها الحب والنوى من جديد (انظر التعليق العلمي على تفسير الآية 27 من سورة آل عمران).
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

قوله تعالى : { إن الله فالق الحب والنوى } ، الفلق الشق ، قال الحسن و قتادة والسدي : معناه يشق الحبة عن السنبلة ، والنواة عن النخلة ، فيخرجها منها ، والحب جمع الحبة ، وهي اسم لجميع البذور والحبوب ، من البر ، والشعير ، والذرة ، وكل ما لم يكن له نوى ، وقال الزجاج : يشق الحبة اليابسة ، والنواة اليابسة ، فيخرج منها ورقاً أخضر . وقال مجاهد : يعني الشقين اللذين فيهما ، أي : يشق الحب عن النبات ويخرجه منه ، ويشق النوى عن النخل ويخرجها منه . والنوى جمع النواة ، وهي كل ما لم يكن له حب كالتمر ، والمشمش ، والخوخ ونحوها . وقال الضحاك : { فالق الحب والنوى } يعني : خالق الحب والنوى .

قوله تعالى : { يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون } تصرفون عن الحق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

{ 95 - 98 } { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

يخبر تعالى عن كماله ، وعظمة سلطانه ، وقوة اقتداره ، وسعة رحمته ، وعموم كرمه ، وشدة عنايته بخلقه ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ } شامل لسائر الحبوب ، التى يباشر الناس زرعها ، والتي لا يباشرونها ، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار ، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت ، على اختلاف أنواعها ، وأشكالها ، ومنافعها ، ويفلق النوى عن الأشجار ، من النخيل والفواكه ، وغير ذلك . فينتفع الخلق ، من الآدميين والأنعام ، والدواب . ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ، ويقتاتون ، وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك . ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول ، ويذهل الفحول ، ويريهم من بدائع صنعته ، وكمال حكمته ، ما به يعرفونه ويوحدونه ، ويعلمون أنه هو الحق ، وأن عبادة ما سواه باطلة .

{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج من المني حيوانا ، ومن البيضة فرخا ، ومن الحب والنوى زرعا وشجرا .

{ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ } وهو الذي لا نمو فيه ، أو لا روح { مِنَ الْحَيِّ } كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب ، ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك .

{ ذَلِكُمْ } الذي فعل ما فعل ، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها { اللَّهُ } رَبُّكُمْ أي : الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين ، وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه ، وغذاهم بكرمه . { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فأنى تصرفون ، وتصدون عن عبادة من هذا شأنه ، إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ؟ "

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

95

( إن الله فالق الحب والنوى ، يخرج الحي من الميت ، ومخرج الميت من الحي . ذلكم الله فأنى تؤفكون ؟ ) . .

إنها المعجزة التي لا يدري سرها أحد ؛ فضلا على أن يملك صنعها أحد ! معجزة الحياة نشأة وحركة . . وفي كل لحظة تنفلق الحبة الساكنة عن نبتة نامية ، وتنفلق النواة الهامدة عن شجرة صاعدة . والحياة الكامنة في الحبة والنواة ، النامية في النبتة والشجرة ، سر مكنون ، لا يعلم حقيقته إلا الله ؛ ولا يعلم مصدره إلا الله . . وتقف البشرية بعد كل ما رأت من ظواهر الحياة وأشكالها ، وبعد كل ما درست من خصائصها وأطوارها . .

تقف أمام السر المغيب كما وقف الإنسان الأول ، تدرك الوظيفة والمظهر ، وتجهل المصدر والجوهر ، والحياة ماضية في طريقها . والمعجزة تقع في كل لحظة ! ! !

ومنذ البدء أخرج الله الحي من الميت . فقد كان هذا الكون - أو على الأقل كانت هذه الأرض - ولم يكن هناك حياة . . ثم كانت الحياة . . أخرجها الله من الموات . . كيف ؟ لا ندري ! وهي منذ ذلك الحين تخرج من الميت ؛ فتتحول الذرات الميتة في كل لحظة - عن طريق الأحياء - إلى مواد عضوية حية تدخل في كيان الأجسام الحية ؛ وتتحول - وأصلها ذرات ميتة - إلى خلايا حية . . والعكس كذلك . . ففي كل لحظة تتحول خلايا حية إلى ذرات ميتة ؛ إلى أن يتحول الكائن الحي كله ذات يوم إلى ذرات ميتة !

( يخرج الحي من الميت ، ومخرج الميت من الحي ) . .

ولا يقدر إلا الله أن يصنع ذلك . . لا يقدر إلا الله أن ينشى ء الحياة منذ البدء من الموات . ولا يقدر إلا الله أن يجهز الكائن الحي بالقدرة على إحالة الذرات الميتة إلى خلايا حية . ولا يقدر إلا الله على تحويل الخلايا الحية مرة أخرى إلى ذرات ميتة . . في دورة لم يعلم أحد يقينا بعد متى بدأت ، ولا كيف تتم . . وإن هي إلا فروض ونظريات واحتمالات ! ! !

لقد عجزت كل محاولة لتفسير ظاهرة الحياة ، على غير أساس أنها من خلق الله . . ومنذ أن شرد الناس من الكنيسة في أوربا . . ( كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ! ) . . وهم يحاولون تفسير نشأة الكون وتفسير نشأة الحياة ، بدون التجاء إلى الاعتراف بوجود الله . . ولكن هذه المحاولات كلها فشلت جميعا . . ولم تبق منها في القرن العشرين إلا مماحكات تدل على العناد ، ولا تدل على الإخلاص !

وأقوال بعض " علمائهم " الذين عجزوا عن تفسير وجود الحياة إلا بالاعتراف بالله ، تصور حقيقة موقف " علمهم " نفسه من هذه القضية . ونحن نسوقها لمن لا يزالون عندنا يقتاتون على فتات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من موائد الأوربيين ، عازفين عن هذا الدين ، لأنه يثبت " الغيب " وهم " علميون ! " لا " غيبيون " ! . .

ونختار لهم هؤلاء العلماء من " أمريكًا ! ! !

يقول " فرانك أللن " . [ ماجستير ودكتوراه من جامعة كورنل وأستاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتوبا بكندا ] في مقال : نشأة العالم هل هو مصادفة أو قصد ؟ من كتاب : " الله يتجلى في عصر العلم " . . ترجمة الدكتور : الدمرداش عبد المجيد سرحان .

. . " فإذا لم تكن الحياة قد نشأت بحكمة وتصميم سابق ، فلا بد أن تكون قد نشأت عن طريق المصادفة فما هي تلك المصادفة إذن حتى نتدبرها ونرى كيف تخلق الحياة ؟

" إن نظريات المصادفة والاحتمال لها الآن من الأسس الرياضية السليمة ما يجعلها تطبق على نطاق واسع حيثما انعدم الحكم الصحيح المطلق . وتضع هذه النظريات أمامنا الحكم الأقرب إلى الصواب - مع تقدير احتمال الخطأ في هذا الحكم - ولقد تقدمت دراسة نظرية المصادفة والاحتمال من الوجهة الرياضية تقدما كبيرا ، حتى أصبحنا قادرين على التنبؤ بحدوث بعض الظواهر ، التي نقول : إنها تحدث بالمصادفة ، والتي لا نستطيع أن نفسر ظهورها بطريقة أخرى [ مثل قذف الزهر في لعبة النرد ] . وقد صرنا بفضل تقدم هذه الدراساتقادرين على التمييز بين ما يمكن أن يحدث بطريق المصادفة ، وما يستحيل حدوثه بهذه الطريقة ، وأن نحسب احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في مدى معين من الزمان . . ولننظر الآن إلى الدور الذي تستطيع أن تلعبه المصادفة في نشأة الحياة :

" إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية . وهي تتكون من خمسة عناصر ؛ هي : الكربون ، والأدروجين ، والنيتروجين ، والأكسجين ، والكبريت . . ويبلغ عدد الذرات في الجزيء الواحد 000 40 ذرة . ولما كان عدد العناصر الكيموية في الطبيعة 92 عنصرا ، موزعة كلها توزيعا عشوائيا ، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة ، لكي تكون جزئيا من جزيئات البروتين ، يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطا مستمرا لكي تؤلف هذا الجزيء ؛ ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزيء الواحد .

" وقد قام العالم الرياضي السويسري تشارلز يوجين جاي بحساب هذه العوامل جميعا ، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد ، إلا بنسبة 1 إلى 10 160 ، أي بنسبة 1 إلى رقم عشرة مضروبا في نفسه 160 مرة . وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات . . وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة بحيث ينتج جزيء واحد أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات . . ويتطلب تكوين هذا الجزيء على سطح الأرض وحدها - عن طريق المصادفة - بلايين لا تحصى من السنوات ، قدرها العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في نفسها 243 مرة من السنين [ 10 243 سنة ]

" إن البروتينات تتكون من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية . فكيف تتألف ذرات هذه الجزيئات ؟ إنها إذا تآلفت بطريقة أخرى ، غير التي تتآلف بها ، تصير غير صالحة للحياة . بل تصير في بعض الأحيان سموما ، وقد حسب العالم الانجليزي : ج . ب . سيثر . . الطرق التي يمكن أن تتآلف بها الذرات في أحد الجزيئات البسيطة من البروتينات ، فوجد أن عددها يبلغ الملايين [ 10 48 ] وعلى ذلك فإنه من المحال عقلا أن تتآلف كل هذه المصادفات لكي تبني جزيئا بروتينيا واحدا .

" ولكن البروتينات ليست إلا مواد كيماوية عديمة الحياة ، ولا تدب فيها الحياة إلا عندما يحل فيها ذلك السر العجيب ، الذي لا ندري من كنهه شيئا ، إنه العقل اللانهائي . وهو الله وحده ، الذي استطاع أن يدرك ببالغ حكمته ، أن مثل هذا الجزيء البروتيني يصلح لأن يكون مستقرا للحياة ، فبناه وصوره ، وأغدق عليه سر الحياة " . .

ويقول إيرفنج وليام [ دكتوراه من جامعة إيوى وأخصائي في وراثة النباتات وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجان ] في مقال : " المادية وحدها لا تكفي " من الكتاب نفسه :

" إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها والتي لا يحصيها عد ، وهي التي تتكون منها جميع المواد . كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا - بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكون الحياة . ولا شك أن النظرية التي تدعي أن جميع صور الحياة الراقية قد وصلت إلى حالتها الراهنة من الرقي بسبب حدوث بعض الطفرات العشوائية والتجمعات والهجائن . . نقول : إن هذه النظرية لا يمكن الأخذ بها إلا عن طريق التسليم . فهي لا تقوم على أساس المنطق والإقناع ! " .

ويقول : " ألبرت ماكومب ونشتر " [ متخصص في علم الأحياء دكتوراه من جامعة تكساس . أستاذ علم الأحياء بجامعة بايلور . . . ] في مقال : " العلوم تدعم إيماني بالله " من الكتاب نفسه :

" . . . وقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء . وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدراسة الحياة . وليس بين مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون .

" انظر إلى نبات برسيم ضئيل . وقد نما على أحد جوانب الطريق . فهل تستطيع أن تجد له نظيرا في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة ؟ إنه آله حية تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار ، بآلاف من التفاعلات الكيموية والطبيعية ؛ ويتم كل ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم - وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية .

" فمن أين جاءت هذه الآلة الحية المعقدة ؟ إن الله لم يصنعها هكذا وحدها ، ولكنه خلق الحياة ، وجعلها قادرة على صيانة نفسها ، وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل . مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعيننا على التمييز بين نبات وآخر . . إن دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء ، وأكثرها إظهارا لقدرة الله . . إن الخلية التناسلية التي ينتج عنها النبات الجديد ، تبلغ من الصغر درجة كبرى بحيث يصعب مشاهدتها إلا باستخدام المجهر المكبر . ومن العجيب أن كل صفة من صفات النبات : كل عرق ، وكل شعيرة ، وكل فرع على ساق ، وكل جذر أو ورقة ، يتم تكوينها تحت إشراف مهندسين قد بلغوا من دقة الحجم مبلغا كبيرا ، فاستطاعوا العيش داخل الخلية التي ينشأ منها النبات . . تلك الفئة من المهندسين هي فئة الكروموسومات [ ناقلات الوراثة ] .

وفي هذا القدر كفاية لنعود إلى الجمال المشرق في سياق القرآن : ( ذلكم الله ) . .

مبدع هذه المعجزة المتكررة المغيبة السر . . هو الله . . وهو ربكم الذي يستحق أن تدينوا له وحده . . بالعبودية والخضوع والاتباع .

( فأنى تؤفكون ؟ ) . .

فكيف تصرفون عن هذا الحق الواضح للعقول والقلوب والعيون !

إن معجزة انبثاق الحياة من الموات يجيء ذكرها كثيرا في القرآن الكريم - كما يجيء ذكر خلق الكون ابتداء - في معرض التوجيه إلى حقيقة الألوهية ، وآثارها الدالة على وحدة الخالق ، لينتهي منها إلى ضرورة وحدة المعبود ، الذي يدين له العباد ؛ بالاعتقاد في ألوهيته وحده ، والطاعة لربوبيته وحده ، والتقدم إليه وحده بالشعائر التعبدية ، والتلقي منه وحده في منهج الحياة كله ، والدينونة لشريعته كذلك وحدها . .

وهذه الدلائل لا تذكر في القرآن الكريم في صورة قضايا لاهوتية أو نظريات فلسفية ! إن هذا الدين أكثر جدية من أن ينفق طاقة البشر في قضايا لاهوتية ونظريات فلسفية . إنما يهدف إلى تقويم تصور البشر - بإعطائهم العقيدة الصحيحة - لينتهي إلى تقويم حياة البشر الباطنة والظاهرة .

وذلك لا يكون أبدا إلا بردهم إلى عبادة الله وحده وإخراجهم من عبادة العباد . وإلا أن تكون الدينونة في الحياة الدنيا ، وفي شئون الحياة اليومية لله وحده ، وإلا أن يخرج الناس من سلطان المتسلطين ، الذين يدعون حق الألوهية ، فيزاولون الحاكمية في حياة البشر ، ويصبحون آلهة زائفة وأربابا كثيرة ؛ فتفسد الحياة ، حين يستعبد الناس فيها لغير الله !

ومن هنا نرى التعقيب على معجزة الحياة :

( ذلكم الله فأنى تؤفكون ) . .

ذلكم الله الذي يستحق الربوبية فيكم . . والرب هو المربى والموجه والسيد والحاكم . .

ومن ثم يجب ألا يكون الرب إلا الله . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى ، أي : يشقه في الثرى فتنبت الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب ، والثمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النوى ؛ ولهذا فسر [ قوله ]{[10977]} { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } بقوله { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } أي : يخرج النبات الحي من الحب والنوى ، الذي هو كالجماد الميت ، كما قال : { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ ]{[10978]} وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ } [ يس : 33 - 36 ] .

وقوله : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } معطوف على { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } ثم فسره ثم عطف عليه قوله : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ }

وقد عبروا عن هذا [ وهذا ]{[10979]} بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى ، فمن قائل : يخرج الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة ، من قائل : يخرج الولد الصالح من الكافر ، والكافر من الصالح ، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها .

ثم قال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ } أي : فاعل هذه الأشياء هو الله وحده لا شريك له { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فكيف تصرفون من الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع الله غيره .


[10977]:زيادة من م.
[10978]:زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[10979]:زيادة من م، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَىَ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ }

وهذا تنبيه من الله جلّ ثناؤه هؤلاء العادلين به الاَلهة والأوثان على موضع حجته عليهم ، وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياه . يقول تعالى ذكره : إن الذي له العبادة أيها الناس دون كلّ ما تعبدون من الاَلهة والأوثان ، هو الله الذي فلق الحبّ ، يعنِي : شقّ الحبّ من كلّ ما ينبت من النبات ، فأخرج منه الزرع والنوى من كلّ ما يغرس مما له نواة ، فأخرج منه الشجر . والحبّ جمع حبة ، والنوى : جمع النواة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى أما فالق الحبّ والنوى : ففالق الحبّ عن السنبلة ، وفالق النواة عن النخلة .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : يفلق الحبّ والنوى عن النبات .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الله فالق ذلك ، فلقه فأنبت منه ما أنبت فلق النواة فأخرج منها نبات نخلة ، وفلق الحبة فأخرج نبات الذي خلق .

وقال آخرون : معنى «فالق » خالق . ذكر من قال ذلك .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : خالق الحبّ والنوى .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : خالق الحبّ والنوى .

وقال آخرون : معنى ذلك أنه فلق الشقّ الذي في الحبة والنواة . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي جريج ، عن مجاهد ، في قول الله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الشقان اللذان فيهما .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الشقّ الذي يكون في النواة وفي الحنطة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن القاسم ابن أبي بزّة ، عن مجاهد : فالِقُ الحَبّ وَالنّوَى قال : الشقان اللذان فيهما .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى يقول : خالق الحبّ والنوى ، يعني : كل حبة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ما قدمنا القول به ، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، فكان معلوماً بذلك أنه إنما عنى بإخباره عن نفسه أنه فالق الحبّ عن النبات والنوى عن الغروس والأشجار ، كما هو مخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ . وأما القول الذي حُكي عن الضحاك في معنى فالق أنه خالق ، فقولٌ إن لم يكن أراد به أنه خالق منه النبات والغروس بفلقه إياه ، لا أعرف له وجهاً ، لأنه لا يُعرف في كلام العرب فلق الله الشيء بمعنى : خلق .

القول في تأويل قوله تعالى : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ .

يقول تعالى ذكره : يخرج السنبل الحيّ من الحبّ الميت ، ومخرج الحبّ الميت من السنبل الحيّ ، والشجر الحيّ من النوى الميت ، والنوى الميت من الشجر الحيّ . والشجر ما دام قائماً على أصوله لم يجفّ والنبات على ساقه لم ييبس ، فإن العرب تسميه حيّا ، فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله سموه ميتاً .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، أما : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ فيخرج السنبلة الحية من الحبة الميتة ، ويخرج الحبة الميتة من السنبلة الحية ، ويخرج النخلة الحية من النواة الميتة ، ويخرج النواة الميتة من النخلة الحية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة .

وقال آخرون بما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ قال : يخرج النطفة الميتة من الحيّ ، ثم يخرج من النطفة بشراً حيّا .

وإنما اخترنا التأويل الذي اخترنا في ذلك ، لأنه عقيب قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى على أن قوله : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ وإن كان خبراً من الله عن إخراجه من الحبّ السنبل ومن السنبل الحبّ ، فإنه داخل في عمومه ما رُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك وكلّ ميت أخرجه الله من جسم حيّ ، وكلّ حيّ أخرجه الله من جسم ميت .

وأما قوله : ذَلِكُمُ اللّهُ فإنه يقول : فاعل ذلك كله الله جلّ جلاله . فَأنّى تُؤْفَكُونَ يقول : فأيّ وجوه الصدّ عن الحقّ أيها الجاهلون تصدّون عن الصواب وتُصرفون ، أفلا تتدبرون فتعلمون أنه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحبّ والنوى ، فأخرج لكم من يابس الحبّ والنوى زروعاً وحروثاً وثماراً تتغذون ببعضه وتفكهون ببعضه ، شريك في عبادته ما لا يضرّ ولا ينفع ولا يسمع ولا يبصر ؟

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (95)

{ إن الله فالق الحب والنوى } بالنبات والشجر . وقيل المراد به الشقاق الذي في الحنطة والنواة . { يخرج الحي } يريد به ما ينمو من الحيوان والنبات ليطابق ما قبله . { من الميت } مما لا ينمو كالنطف والحب . { ومخرج الميت من الحي } ومخرج ذلك من الحيوان والنبات ، ذكره بلفظ الاسم حملا على فالق الحب فإن قوله : يخرج الحي واقع موقع البيان له . { ذلكم الله } أي ذلكم المحي المميت هو الذي يحق له العبادة . { فأنا تؤفكون } تصرفون عنه إلى غيره .