المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

29- ولا تمسك يدك عن الإنفاق في الخير ، وتجعلها كأنها مربوطة في عنقك بِغِلٍّ من الحديد لا تقدر على مدها ، ولا تبسطها كل البسط بالإسراف في الإنفاق ، فتصير مذموماً على الإمساك نادماً أو منقطعاً لا شيء عندك بسبب التبذير والإسراف .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

قوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك } ، قال جابر : أتى صبي فقال : يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعاً ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه ، فقال للصبي : من ساعة إلى ساعة يظهر ، فعد وقتاً آخر ، فعاد إلى أمه فقالت : قل له : إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره فنزع قميصه فأعطاه إياه ، وقعد عرياناً ، فأذن بلال للصلاة ، فانتظروه فلم يخرج ، فشغل قلوب أصحابه ، فدخل عليه بعضهم فرآه عرياناً ، فأنزل الله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } يعني : ولا تمسك يدك عن النفقة في الحق كالمغلولة يده لا يقدر على مدها . { ولا تبسطها } ، بالعطاء { كل البسط } ، فتعطي جميع ما عندك ، { فتقعد ملوماً } ، يلومك سائلوك بالإمساك إذا لم تعطهم . و الملوم الذي أتى بما يلوم نفسه ، أو يلومه غيره ، { محسوراً } منقطعاً بك ، لا شيء عندك تنفقه . يقال : حسرته بالمسألة إذا ألحفت عليه ، ودابة حسيرة إذا كانت كالة رازحة . قال قتادة : محسوراً نادماً على ما فرط منك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

وقال هنا : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } كناية عن شدة الإمساك والبخل .

{ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } فتنفق فيما لا ينبغي ، أو زيادة على ما ينبغي .

{ فَتَقْعُدَ } إن فعلت ذلك { مَلُومًا } أي : تلام على ما فعلت { مَحْسُورًا } أي : حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء .

وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى مع القدرة والغنى ، فأما مع العدم أو تعسر النفقة الحاضرة فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال : { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

22

وبمناسبة التبذير والنهي عنه يأمر بالتوسط في الإنفاق كافة :

( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) . .

والتوازن هو القاعدة الكبرى في النهج الإسلامي ، والغلو كالتفريط يخل بالتوازن . والتعبير هنا يجري على طريقة التصوير ؛ فيرسم البخل يدا مغلولة إلى العنق ، ويرسم الإسراف يدا مبسوطة كل البسط لا تمسك شيئا ، ويرسم نهاية البخل ونهاية الإسراف قعدة كقعدة الملوم المحسور . والحسير في اللغة الدابة تعجز عن السير فتقف ضعفا وعجزا . فكذلك البخيل يحسره بخله فيقف . وكذلك المسرف ينتهي به سرفه إلى وقفة الحسير . ملوما في الحالتين على البخل وعلى السرف ، وخير الأمور الوسط .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش ذامّا للبخل ناهيًا عن السَّرَف : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } أي : لا تكن بخيلا منوعًا ، لا تعطي أحدًا شيئًا ، كما قالت اليهود عليهم لعائن الله : { يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [ المائدة : 64 ]أي نسبوه إلى البخل ، تعالى وتقدس الكريم الوهاب .

وقوله : { وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } أي : ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك ، وتخرج أكثر من دخلك ، فتقعد ملومًا محسورًا .

وهذا من باب اللف والنشر أي : فتقعد إن بخلت ملومًا ، يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك كما قال زهير بن أبي سُلمى في المعلقة :

ومن كان ذا مال ويبخل بماله *** على قومه يستغن عنه ويذمم{[17441]}

ومتى بسطت يدك فوق طاقتك ، قعدت بلا شيء تنفقه ، فتكون كالحسير ، وهو : الدابة التي قد عجزت عن السير ، فوقفت ضعفًا وعجزًا{[17442]} فإنها تسمى الحسير ، وهو مأخوذ من الكلال ، كما قال تعالى : { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } [ الملك : 3 ، 4 ] أي : كليل عن أن يرى عيبًا . هكذا فسر هذه الآية - بأن المراد هنا البخل والسرف - ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم .

وقد جاء في الصحيحين ، من حديث أبي الزِّنَاد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مثل البخيل والمنفق ، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما{[17443]} إلى تراقيهما . فأما المنفق فلا ينفق إلا سَبَغَت - أو : وفرت - على جلده ، حتى تُخفي بنانه وتعفو{[17444]} أثره . وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسعها فلا{[17445]} تتسع " .

هذا لفظ البخاري في الزكاة{[17446]} .

وفي الصحيحين من طريق هشام بن عُرْوَةَ ، عن زوجته فاطمة بنت المنذر ، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ، ولا تُوعِي فَيُوعي الله عليك ، ولا توكي فيوكي الله عليك " وفي لفظ : " ولا تُحصي فيحصي الله عليك " {[17447]} .

وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قال لي : أنفق أنفق عليك " {[17448]} .

وفي الصحيحين من طريق معاوية بن أبي مُزَرِّد ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما : اللهم أعط منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكًا تلفًا " {[17449]} .

وروى مسلم ، عن قتيبة ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء{[17450]} عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعًا : " ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا{[17451]} ومن تواضع لله رفعه الله " {[17452]} .

وفي حديث أبي كثير ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا : " إياكم والشُّح ، فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا " {[17453]} .

وروى البيهقي من طريق سعدان بن نصر ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، [ عن ابن بريدة ]{[17454]} عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يخرج رجل صدقة ، حتى يفك لَحْيَى سبعين شيطانا " {[17455]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا سُكَين{[17456]} بن عبد العزيز ، حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعوده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " {[17457]} .


[17441]:البيت في ديوانه (ص30).
[17442]:في ت، ف: "عجزا وضعفا".
[17443]:في أ: "من يديهما".
[17444]:في ت، ف: "يخفى بنانه ويعفو".
[17445]:في ف: "ولا".
[17446]:صحيح البخاري برقم (1443) وليس في صحيح مسلم من طريق أبي الزناد، وإنما هو فيه من طريق الحسن بن مسلم وعبد الله بن طاوس، عن طاوس، عن أبي هريرة برقم (1021).
[17447]:صحيح البخاري برقم (1433) وصحيح مسلم برقم (1029)
[17448]:صحيح مسلم برقم (993).
[17449]:صحيح البخاري برقم (1442) وصحيح مسلم برقم (1010).
[17450]:في ف: "عن العلاء بن عبد الرحمن".
[17451]:في ت، ف، أ: "إلا غنى".
[17452]:صحيح مسلم برقم (2588).
[17453]:رواه أحمد في المسند (2/159) وأبو داود في السنن برقم (1698) وابن حبان في صحيحه برقم (1580) "موارد" من طرق عن شعبة عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي كثير الزبيدي به.
[17454]:زيادة من ف، أ، والسنن الكبرى، وصحيح ابن خزيمة.
[17455]:السنن الكبرى (4/187) ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (2457) من طريق محمد المخزومي، عن أبي معاوية، به، وقال: "إن صح الخبر، فإني لا أقف هل سمع الأعمش من ابن بريدة أم لا".
[17456]:في ت: "مسكين"، وفي ف، أ: "سكن".
[17457]:المسند (1/447) وقال الهيثمي في المجمع (10/252): "فيه إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف".