محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

/ [ 29 ] { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا 29 } .

{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } أي لا تمسك يدك عن النفقة والعطية لمن له حق ممن تقدم ، بمنزلة المشدودة يده إلى عنقه ، الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء { ولا تبسطها كل البسط } أي بالتبذير والسرف . قال ابن كثير : أي لا تسرف في الإنفاق فتعطي غير طاقتك وتخرج أكثر من دخلك : { فتقعد } أي فتبقى { ملوما } يلومك الفقراء والقرابة { محسورا } أي نادما ، من ( الحسرة ) . أو منقطعا بك لا شيء عندك من ( حسرة السفر ) إذا بلغ منه الجهد وأثر فيه .

وفي النهيين استعارتان تمثيليتان . شبه في الأولى فعل الشحيح في منعه ، بمن يده مغلولة لعنقه ، بحيث لا يقدر على مدها .

وفي الثانية ، شبه السرف ببسط الكف بحيث لا تحفظ شيئا . وهو ظاهر . وجعل ابن كثير قوله تعالى : { فتقعد ملوما محسورا } من باب اللف والنشر المرتب . قال : أي فتقعد ، إن بخلت ، ملوما يلومك الناس ويذمونك ، ويستغنون عنك كما قال زهير{[5390]} في المعلقة :

ومن كان ذا مال فيبخل بماله *** على قومه يستغن عنه ويذمم

/ ومتى بسطت يدك فوق طاقتك ، قعدت بلا شيء تنفقه ، فتكون كالحسير . وهي الدابة التي عجزت عن السير ، فوقفت ضعفا وعجزا .


[5390]:الرواية في (المعلقات) و(شرح ديوان زهير) هكذا: * ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله * وقال في الحاشية (من شرح الديوان): وفي شرح الأعلم: * ومن يك ذا مال فيبخل بماله * وهو البيت الخمسون من معلقته التي مطلعها: أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلم *** بحومانة الدرّاج فالمتثّلم