تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

الآية29 : وقوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } في الإنفاق إذا كان عندك { ولا تبسطها كل البسط }( لا لئلا يلومك ){[10829]} من رجاك ، ولكن لما قال : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا } الآية( الفرقان : 67 )أمر الله تعالى أن ينفقوا نفقة ، ليس فيها شرف ولا إقتار ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وغيره .

وقال بعضهم : لا تمسك عن النفقة في ما أمرك ربك به عن الحق { ولا تبسطها كل البسط } في ما نهاك عنه ( { فتقعد ملوما محسورا } ){[10830]} وقال بعضهم : هذا نهي عن البخل والسرف . فلئن كان هذا نهيا عن ( البخل كان قوله : { ولا تبسطها كل البسط } ){[10831]} نهيا عن الجود ، ولا يحتمل أن ينهى ( الله تعالى أحدا ){[10832]} عن البخل والجود لأنهما غريزتان طبيعيتان ، ولا ينهى ( الله تعالى أحدا ){[10833]} عما سبيله الطبع والغريزة ، ولكن ما ذكرنا ، والله أعلم ، من كف اليد وقبضها عن الإنفاق في الحق والمحق وبسطها في غير الحق وذي الحق .

وقال أبو بكر الأصم : دل قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } أن قول اليهود : { يد الله مغلولة }( المائدة : 64 )أنهم لم يريدوا حقيقة اليد ، ولكن ( أرادوا ){[10834]} التضييق والتقتير . وكذلك لم يرد بقوله { بل يداه مبسوطان } حقيقة بسط اليد ، ولكن{[10835]} أرد التوسيع في الرزق والتكثير . ألا ترى أنه قال : { ينفق كيف يشاء } ؟ ( المائدة : 64 ) .

ثم يحتمل الخطاب في هذه الآيات الوجوه الثلاثة الذي ذكرنا في ما تقدم :

أحدها : أنه خاطب رسوله بذلك كله ، وأشرك{[10836]} فيه قومه ، وفي القرآن كثير مما{[10837]} خاطب رسوله بالأشياء ، فأشرك{[10838]} قومه في ذلك .

والثاني ( أنه ){[10839]} خاطب كلا في نفسه نحو ما ذكرنا في قوله : { يا أيها الإنسان }( الانفطار : 6 ) وقوله{[10840]} : { يا أيها الناس }( البقرة : 21و . . )وقوله : { قل هو الله أحد }( الإخلاص : 1 ) وقوله{[10841]} : { قل أعوذ برب الفلق }( الفلق : 1 )وقوله : { قل أعود برب الناس }( الناس : 1 )ونحوه من الخطاب ؛ خاطب كل أحد في نفسه ، إذ لا يحتمل أن يخاطب في قوله{[10842]} { قل هو الله أحد } رسوله{[10843]} خاصة ، ولا يخاطب غيره ، بل الخطاب به كل الناس وكل إنسان .

والثالث : ( أنه ){[10844]}خاطب رسوله على إرادة غيره على سبيل الخصوصية له نحو ما يخاطب ملوك الأرض خواصهم ، وأعقلهم من رعيتهم على إرادة ذلك الخطاب غير المخاطبين . فعلى ذلك يحتمل هذا ، أو يكون الخاطب بقوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } غيره ممن يمسك ، ويخاطب بقوله : { ولا تبسطها كل البسط } رسول الله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتمل أن يكون ما ذكر ، وقد يحتمل البسط . لذلك كان ما ذكر والله أعلم .

وقوله تعالى/300-أ/ : { فتقعد ملوما محسورا } يحتمل قوله : { ملوما } عند نفسك وعند الناس ( وعند الله ){[10845]} تلوم نفسك بأنك لم أنفقت ؟ وعند الناس ما لم تجد ما تنفق عليهم وعند الله إذا{[10846]} أنفقت في غير حق{ محسورا } قال القتبي : أي يحسرك العطية ، ويقطعك ، كما يحسر السفر البعير منقطعا . وقال أو عوسجة : هو من الحسرة ، وهي الندامة ؛ يقال : حسر الرجل ؛ فهو محسور ، وقال : التبذير الفساد ، وقال{[10847]} { ملوما } أي محزونا .


[10829]:في الأصل و.م : فيلومك.
[10830]:في الأصل و.م: فتقعد كذا.
[10831]:من م، ساقطة من الأصل.
[10832]:في الأصل و.م: أحد.
[10833]:ساقطة من الأصل و.م.
[10834]:ساقطة من الأصل و.م.
[10835]:من م، في الأصل : ممكن.
[10836]:في الأصل و.م: وشارك.
[10837]:في الأصل و.م: أنه.
[10838]:في الأصل و.م: فيشرك.
[10839]:ساقطة من الأصل و.م.
[10840]:في الأصل و.م: و.
[10841]:في الأصل و.م: و.
[10842]:في الأصل:و م:و.
[10843]:في الأصل و.م رسول الله.
[10844]:ساقطة من الأصل و.م.
[10845]:ساقطة من الأصل و.م.
[10846]:أدرج قبلها في الأصل و.م: أيضا.
[10847]:في الأصل و.م:و.