الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} (29)

هذا تمثيلٌ لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، وأمرٌ بالاقتصاد الذي هو بين الاسراف والتقتير { فَتَقْعُدَ مَلُومًا } فتصير ملوماً عند الله ، لأنّ المسرف غير مرضي عنده وعند الناس ، يقول المحتاج : أعطى فلاناً وحرمني . ويقول المستغني : ما يحسن تدبير أمر المعيشة . وعند نفسك : إذا احتجت فندمت على ما فعلت { مَّحْسُوراً } منقطعاً بك لا شيء عندك ، من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة . وعن جابر : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس أتاه صبي فقال : إنّ أمي تستكسيك درعاً ، فقال من ساعة إلى ساعة يظهر ، فعد إلينا ، فذهب إلى أمّه فقالت له قل له : إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك ، فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً ، وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة . وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن ، فجاء عباس بن مرداس ، وأنشأ يقول :

أَتَجْعَلُ نَهْيِبي وَنَهْبَ العَبِيدِ *** بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ

وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلاَ حَابِس *** يَفُوقَانِ جَدِّيَ فِي مَجْمَعِ

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِيءٍ مِنْهُمَا *** وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْم لاَ يُرْفَعِ

فقال : يا أبا بكر ، اقطع لسانه عني ، أعطه مائة من الإبل فنزلت .