3- وبلاغ من الله ورسوله إلى الناس عامة ، في مجتمعهم يوم الحج الأكبر ، أن الله ورسوله بريئان من عهود المشركين الخائنين - في أيها المشركون الناقضون للعهد - إذا رجعتم عن شرككم بالله ، فإن ذلك خير لكم في الدنيا والآخرة ، أما إن أعرضتم وبقيتم على ما أنتم عليه ، فاعلموا أنكم خاضعون لسلطان الله . وأنت - أيها الرسول - أنذر جميع الكافرين بعذاب شديد الإيلام .
قوله تعالى : { وأذان } عطف على قوله براءة أي إعلام ، ومنه الأذان بالصلاة ، يقال : آذنته فأذن ، أي : أعلمته فعلم ، وأصله من الأذان ، أي : أوقعته في أذنه .
قوله تعالى : { من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } . اختلفوا في يوم الحج الأكبر ، روى عكرمة عن ابن عباس أنه يوم عرفة ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابن الزبير ، وهو قول عطاء و طاوس و مجاهد و سعيد بن المسيب ، وقال جماعة : هو يوم النحر ، روي عن يحيى بن الجزار قال : خرج علي رضي الله عنه يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة ، فجاءه رجل ، وأخذ بلجام دابته ، وسأله عن يوم الحج الأكبر فقال : يومك هذا خل سبيلها . ويروى ذلك عن عبد الله بن أبي أوفى ، والمغيرة بن شعبة ، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والسدي . وروى ابن جريج عن مجاهد : يوم الحج الأكبر حين الحج أيام منى كلها ، وكان سفيان الثوري يقول : يوم الحج الأكبر أيام منى كلها ، مثل : يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث ، يراد به : الحين والزمان ، لأن هذه الحروب دامت أياما كثيرة ، وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل : يوم الحج الأكبر اليوم الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن سيرين ، لأنه اجتمع فيه حج المسلمين وعيد اليهود والنصارى ، والمشركين ، ولم يجتمع قبله ولا بعده . واختلفوا في الحج الأكبر ، فقال مجاهد : الحج الأكبر القران ، والحج الأصغر إفراد الحج ، وقال الزهري والشعبي وعطاء : الحج الأكبر : الحج ، والحج الأصغر : العمرة ، قيل لها الأصغر لنقصان أعمالها .
قوله تعالى : { أن الله بريء من المشركين ورسوله } . أي ورسوله أيضا برئ من المشركين ، وقرأ يعقوب : بنصب اللام أي ، أن الله ورسوله بريء .
قوله تعالى : { فإن تبتم } : رجعتم من كفركم وأخلصتم التوحيد .
قوله تعالى : { فهو خير لكم وإن توليتم } . أعرضتم عن الإيمان .
قوله تعالى : { فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم* إلا الذين عاهدتم من المشركين } .
هذا ما وعد اللّه به المؤمنين ، من نصر دينه وإعلاء كلمته ، وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة ، من بيت اللّه الحرام ، وأجلوهم ، مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز .
نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة ، وأذل المشركين ، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار .
فأمر النبي{[361]} مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر ، وهو يوم النحر ، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم ، من جميع جزيرة العرب ، أن يؤذن بأن اللّه بريء ورسوله من المشركين ، فليس لهم عنده عهد وميثاق ، فأينما وجدوا قتلوا ، وقيل لهم : لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا ، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة .
وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ، وأذن ببراءة -يوم النحر- ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه .
ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة ، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال : { فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ْ }
أي : فائتيه ، بل أنتم في قبضته ، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين . { وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ْ } أي : مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر ، والجلاء ، وفي الآخرة ، بالنار ، وبئس القرار
بعد ذلك يبين الموعد الذي تعلن فيه هذه البراءة وتبلغ إلى المشركين لينذروا بها وبالموعد المضروب فيها :
{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر : أن الله بريء من المشركين ورسوله . فإن تبتم فهو خير لكم ، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله ، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } . .
ويوم الحج الأكبر اختلفت الروايات في تحديده : أهو يوم عرفة أم يوم النحر . والأصح أنه يوم النحر : والأذان البلاغ ؛ وقد وقع للناس في الموسم ؛ وأعلنت براءة الله ورسوله من المشركين كافة - من ناحية المبدأ - وجاء الاستثناء في الإبقاء على العهد إلى مدته في الآية التالية . . والحكمة واضحة في تقرير المبدأ العام ابتداء في صورة الشمول ؛ لأنه هو الذي يمثل طبيعة العلاقات النهائية . أما الاستثناء فهو خاص بحالات تنتهي بانتهاء الأجل المضروب . وهذا الفهم هو الذي توحي به النظرة الواسعة لطبيعة العلاقات الحتمية بين المعسكر الذي يجعل الناس عبيداً لله وحده ، والمعسكرات التي تجعل الناس عبيداً للشركاء ، كما أسلفنا في التقديم للسورة والتقديم لهذا المقطع منها كذلك .
ومع إعلان البراءة المطلقة يجيء الترغيب في الهداية والترهيب من الضلالة :
{ فإن تبتم فهو خير لكم ، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله ، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } . .
وهذا الترهيب وذلك الترغيب في آية البراءة ؛ يشيران إلى طبيعة المنهج الإسلامي . إنه منهج هداية قبل كل شيء . فهو يتيح للمشركين هذه المهلة لا لمجرد أنه لا يحب أن يباغتهم ويفتك بهم متى قدر - كما كان الشأن في العلاقات الدولية ولا يزال ! - ولكنه كذلك يمهلهم هذه المهلة للتروي والتدبر ، واختيار الطريق الأقوم ؛ ويرغبهم في التوبة عن الشرك والرجوع إلى الله ، ويرهبهم من التولي ، وييئسهم من جدواه ، وينذرهم بالعذاب الأليم في الآخرة فوق الخزي في الدنيا . ويوقع في قلوبهم الزلزلة التي ترجها رجاً لعل الركام الذي ران على الفطرة أن ينفض عنها ، فتسمع وتستجيب !
ثم . . هو طمأنة للصف المسلم ، ولكل ما في قلوب بعضه من مخاوف ومن تردد وتهيب ؛ ومن تحرج وتوقع .
فالأمر قد صار فيه من الله قضاء . والمصير قد تقرر من قبل الابتداء !
{ وَأَذَانٌ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيَءٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .
يقول تعالى ذكره : وإعلام من الله ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر . وقد بيّنا معنى الأذان فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده .
وكان سليمان بن موسى يقول في ذلك ما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : زعم سليمان بن موسى الشامي أنه قوله : وأذانٌ مِنَ اللّهِ ورَسُولِهِ قال : الأذان القصص ، فاتحة براءة حتى تختم : وإنْ خفتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فذلك ثمان وعشرون آية .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأذانٌ مِنَ اللّهِ ورَسُولِهِ قال : إعلام من الله ورسوله .
ورفع قوله : وأذانٌ مِنَ اللّهِ عطفا على قوله : بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ كأنه قال : هذه براءة من الله ورسوله ، وأذان من الله .
وأما قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ فإنه قيل اختلافا بين أهل العلم ، فقال بعضهم : هو يوم عرفة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا أبو زرعة ، وهبة الله بن راشد ، قالا : أخبرنا حيوة بن شريح ، قال : أخبرنا أبو صخر ، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصهباء البكري ، وهو يقول : سألت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه يقيم للناس الحجّ ، وبعثني معه بأربعين آية من براءة ، حتى أتى عرفة ، فخطب الناس يوم عرفة فلما قضى خطبته التفت إليّ ، فقال قم يا عليّ وأدّ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ثم صدرنا حتى أتينا منى ، فرميت الجمرة ، ونحرت البدنة ، ثم حلقت رأسي ، وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة ، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم ، فمن ثم إخال حسبتم أنه يوم النحر ، ألا وهو يوم عرفة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت أبا جحيفة عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : يوم عرفة ، فقلت : أمن عندك أو من أصحاب محمد ؟ قال : كل ذلك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الحجّ الأكبر : يوم عرفة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عمر بن الوليد الشني ، عن شهاب بن عباد العصري ، عن أبيه ، قال : قال عمر رضي الله عنه : يوم الحجّ الأكبرّ : يوم عرفة . فذكرته لسعيد بن المسيب ، فقال : أخبرك عن ابن عمر أن عمر قال : الحجّ الأكبر : عرفة .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا عمر بن الوليد الشني ، قال : حدثنا شهاب بن عباد العصري ، عن أبيه ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه يقول : هذا يوم عرفة يوم الحجّ الأكبر يصومنه أحد قال : فحججت بعد أبي ، فأتيت المدينة ، فسألت عن أفضل أهلها ، فقالوا : سعيد بن المسيب . فأتيته فقلت : إني سألت عن أفضل أهل المدينة ، فقالوا : سعيد بن المسيب ، فأخبرني عن صوم يوم عرفة فقال : أخبرك عمن هو أفضل مني أضعافا : عمر أو ابن عمر ، كان ينهى عن صومه ، ويقول : هو يوم الحجّ الأكبر .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا عبد الصمد بن حبيب ، عن معقل بن داود ، قال : سمعت ابن الزبير يقول : يوم عرفة هذا يوم الحجّ الأكبر فلا يصمه أحد .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا غالب بن عبيد الله ، قال : سألت عطاء عن يوم الحجّ الأكبر : فقال : يوم عرفة ، فأفض منها قبل طلوع الفجر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ، ثم قال : «أمّا بَعْدُ » وكان لا يخطب إلا قال : «أما بعد » «فإنّ هذَا يَوْم الحَجّ الأكْبَرِ » .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد ، قال : يوم الحجّ الأكبر : يوم عرفة .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن سلمة بن محب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم عرفة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني طاوس ، عن أبيه ، قال : قلنا : ما الحجّ الأكبر ؟ قال : يوم عرفة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن محمد بن قيس بن مخرمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال : «هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ » .
وقال آخرون : هو يوم النحر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن سلام ، عن الأجلح ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن علي قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، قال : سألت عليا عن الحجّ الأكبر ، فقال : هو يوم النحر .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا سليمان الشيباني ، قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى ، عن الحجّ الأكبر ، قال : فقال يوم النحر .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عياش العامري ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : يوم الحج الأكبر يوم النحر .
قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك ، قال : دخلت أنا وأبو سلمة على عبد الله بن أبي أوفى ، قال : فسألته عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : يوم النحر ، يوم يهراق فيه الدم .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الشيبانيّ ، قال : سألت ابن أبي أوفى عن يوم الحجّ الأكبر ؟ قال : يوم النحر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الشيباني ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى ، وسئل عن قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال : هو اليوم الذي يراق فيه الدم ويحلق فيه الشعر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت يحيى بن الجزار يحدّث عن عليّ : أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة ، فجاءه رجل فأخذ بلجام بغلته ، فسأله عن الحجّ الأكبر ، فقال : هو يومك هذا ، خلّ سبيلها
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن مالك بن مغول وشتير ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، قال : سئل عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : هو يوم النحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن عليّ ، أنه لقيه رجل يوم النحر ، فأخذ بلجامه ، فسأله عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : هو هذا اليوم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن عبد الملك بن عمير وعياش العامري ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : هو اليوم الذي يهراق فيه الدماء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أبي أوفى ، قال : الحجّ الأكبر ، يوم تهراق فيه الدماء ، ويحلق فيه الشعر ، ويحلّ فيه الحرام .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن يسار ، قال : حدثنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعير ، فقال : هذا يوم الأضحى ، وهذا يوم النحر ، وهذا يوم الحجّ الأكبر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن يسار ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعير ، وقال : هذا يوم الأضحى ، وهذا يوم النحر ، وهذا يوم الحجّ الأكبر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن يسار ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا سليمان الشيباني ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي جحيفة ، قال : الحجّ الأكبر : يوم النحر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : اختصم عليّ بن عبد الله بن عباس ورجل من آل شيبة في يوم الحجّ الأكبر ، قال عليّ : هو يوم النحر ، وقال الذي من آل شيبة : هو يوم عرفة . فأرسل إلى سعيد بن جبير فسألوه ، فقال : هو يوم النحر ، إلا ترى أن من فاته يوم عرفة لم يفته الحجّ ، فإذا فاته يوم النحر فقد فاته الحجّ ؟
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال : الحجّ الأكبر : يوم النحر . قال : فقلت له : إن عبد الله بن شيبة ومحمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس اختلفا في ذلك ، فقال محمد بن عليّ : هو يوم النحر ، وقال عبد الله : هو يوم عرفة . فقال سعيد بن جبير : أرأيت لو أن رجلاً فاته يوم عرفة أكان يفوته الحجّ ؟ وإذا فاته يوم النحر فاته الحجّ .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : قال : المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : ثني رجل ، عن أبيه ، عن قسس بن عبادة ، قال : ذو الحجة العاشر النحر ، وهو يوم الحجّ الأكبر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن شداد ، قال : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، والحجّ الأصغر : العُمرة .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن مسلم الحجبي ، قال : سألت نافع بن جبير بن مطعم ، عن يوم الحجّ الأكبر ، قال : يوم النحر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : كان يقال : الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم يهراق فيه الدم ، ويحلّ فيه الحرام .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر الذي يحلّ فيه كلّ حرام .
قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ، عن عليّ ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن عون ، قال : سألت محمدا عن يوم الحجّ الأكبر فقال : كان يوما وافق فيه حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجّ أهل الوبر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكيم بن بشير ، قال : حدثنا عمر بن ذرّ ، قال : سألت مجاهدا عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : هو يوم النحر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثور ، عن مجاهد يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر وقال عكرمة : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، يوم يهراق فيه الدماء ، ويحلّ فيه الحرام . قال : وقال مجاهد : يوم يجمع فيه الحجّ كله ، وهو يوم الحجّ الأكبر .
قال : حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن محمد بن عليّ : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
قال : حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، قال : قال عليّ الحجّ الأكبر : يوم النحر . قال : وقال الزهري : يوم النحر : يوم الحجّ الأكبر .
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس وعمرو عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : ألا لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان قال الزهري : فكان حميد يقول : يوم النحر : يوم الحجّ الأكبر .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الشعبي ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت عبد الله بن شداد عن الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر ، فقال : الحجّ الأكبر : يوم النحر ، والحجّ الأصغر : العُمرة .
قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت عبد الله بن شداد ، فذكره نحوه .
قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : يوم الحجّ الأكبر : يوم يوضع في الشعر ، ويهراق فيه الدم ، ويحلّ فيه الحرام .
قال : حدثنا الثوريّ ، عن أبي إسحاق ، عن عليّ ، قال : الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا قيس ، عن عياش العامري ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، أنه سئل عن يوم الحجّ الأكبر ، فقال : سبحان الله ، هو يوم يهراق فيه الدماء ، ويحلّ فيه الحرام ، ويوضع فيه الشعر وهو يوم النحر .
قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن يسار ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة على ناقة له ، فقال : هذا يوم النحر ، وهذا يوم الحجّ الأكبر .
قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حسن بن صالح ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، ويحلّ فيه الحرام .
حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم ذلك ، قعد على بعير له النبيّ ، وأخذ إنسان بخطامه أو زمامه ، فقال : «أيّ يوْمٍ هَذَا ؟ » قال : فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه غير اسمه ، فقال : «ألَيْسَ يَوْمُ الحَجّ ؟ » .
حدثنا سهل بن محمد الحساني ، قال : حدثنا أبو جابر الحرثي ، قال : حدثنا هشام بن الغازي الجرشي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : وقف رسوله الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع ، فقال : «هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن مرّة الهمداني ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء مخضرمة ، فقال : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ يَوْمُكُمْ ؟ » قالوا : يوم النحر ، قال : «صَدَقْتُمْ يَوْمَ الحَجّ الأكْبَر » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عمرو بن مرّة ، قال : حدثنا مرّة ، قال : حدثنا رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بأربع كلمات حين حجّ أبو بكر بالناس ، فنادى ببراءة : إنه يوم الحجّ الأكبر ، ألا إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ألا ولا يطوف بالبيت عريان ، ألا ولا يحجّ بعد العام مشرك ، ألا ومن كان بينه وبين محمد عهد فأجله إلى مدته ، والله بريء من المشركين ورَسُولُه .
حدثني يعقوب ، قال : ثني هشيم ، عن حجاج بن أرطاة ، عن عطاء ، قال : يوم الحجّ الأكبر يوم النحر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال : يوم النحر : يوم يحلّ فيه المحرم ، وينحر فيه البدن . وكان ابن عمر يقول : هو يوم النحر ، وكان أبي يقوله . وكان ابن عباس يقول : هو يوم عرفة . ولم أسمع أحدا يقول إنه يوم عرفة إلا ابن عباس . قال ابن زيد : والحجّ يفوت بفوت يوم النحر ولا يفوت بفوت يوم عرفة ، إن فاته اليوم لم يفته الليل ، يقف ما بينه وبين طلوع الفجر .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : يوم الأضحى : يوم الحجّ الأكبر .
حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : ثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفتي هذه ، حسبته قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة حمراء مخضرمة ، فقال : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمُ النّحْرِ وهَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ » .
وقال آخرون : معنى قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ حين الحجّ الأكبر ووقته . قال : وذلك أيام الحجّ كلها لا يوم بعينه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ حين الحجّ ، أيامه كله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الحجّ الأكبر : أيام مِني كلها ، ومجامع المشركين حين كانوا بذي المجاز وعكاظ ومجنّة ، حين نودي فيهم : أن لا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا وأن لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : كان سفيان يقول : يوم الحجّ ، ويوم الجمل ، ويوم صفين : أي أيامه كلها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال حين الحج ، أي أيامه كلها .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا : قول من قال : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ : يوم النحر لتظاهر الأخبار عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليّا نادى بما أرسله به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسالة إلى المشركين ، وتلا عليهم براءة يوم النحر . هذا مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم النحر : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ . وبعد : فإن اليوم إنما يضاف إلى معنى الذي يكون فيه ، كقول الناس : يوم عرفة ، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة ، ويوم الأضحى ، وذلك يوم يضحون فيه ويوم الفطر ، وذلك يوم يفطرون فيه وكذلك يوم الحجّ ، يوم يحجون فيه . وإنما يحجّ الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر ، لأن في ليلة نهار يوم النحر الوقوف بعرفة كان إلى طلوع الفجر ، وفي صبيحتها يعمل أعمال الحجّ فأما يوم عرفة فإنه وإن كان الوقوف بعرفة فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر ، والحجّ كله يوم النحر .
وأما ما قال مجاهد من أن يوم الحجّ إنما هو أيامه كلها ، فإن ذلك وإن كان جائزا في كلام العرب ، فليس بالأشهر الأعرف في كلام العرب من معاينه ، بل غلب على معنى اليوم عندهم أنه من غروب الشمس إلى مثله من الغد ، وإنما محمل تأويل كتاب الله على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه .
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لهذا اليوم : يوم الحجّ الأكبر ، فقال بعضهم : سمي بذلك لأن ذلك كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : إنما سمي الحجّ الأكبر من أجل أنه حجّ أبو بكر الحجة التي حجها ، واجتمع فيها المسلمون والمشركون ، فلذلك سمي الحجّ الأكبر ، ووافق أيضا عيد اليهود والنصارى .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن الحرث بن نوفل ، قال : يوم الحجّ الأكبر كانت حجة الوداع اجتمع فيه حجّ المسلمين والنصارى واليهود ولم يجتمع قبله ولا بعده .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن ، قال قوله : يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ قال : إنما سمي الحجّ الأكبر لأنه يوم حجّ فيه أبو بكر ، ونبذت فيه العهود .
وقال آخرون : الحجّ الأكبر : القران ، والحجّ الأصغر : الإفراد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو بكر النهشلي ، عن حماد ، عن مجاهد ، قال : كان يقول : الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر فالحجّ الأكبر : القران ، والحجّ الأصغر : إفراد الحجّ .
وقال آخرون : الحجّ الأكبر : الحجّ ، والحجّ الأصغر : العمرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الحجّ الأكبر : الحجّ ، والحجّ الأصغر : العمرة .
قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن داود ، عن عامر ، قال : قلت له : هذا الحجّ الأكبر ، فما الحجّ الأصغر ؟ قال : العُمرة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال : كان يقال : الحجّ الأصغر : العمرة في رمضان .
قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان يقول : الحجّ الأصغر : العمرة .
قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي أسماء ، عن عبد الله بن شداد ، قال : يوم الحجّ الأكبر : يوم النحر ، والحجّ الأصغر : العمرة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : أن أهل الجاهلية كانوا يسمون الحجّ الأصغر : العمرة .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال : الحجّ الأكبر الحجّ لأنه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها ، فقيل له الأكبر لذلك . وأما الأصغر فالعمرة ، لأن عملها أقلّ من عمل الحجّ ، فلذلك قيل لها الأصغر لنقصان عملها عن عمله .
وأما قوله : أنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فإن معناه : أن الله بريء من عهد المشركين ورسوله بعد هذه الحجة . ومعنى الكلام : وإعلام من الله ورسوله إلى الناس في يوم الحجّ الأكبر ، أن الله ورسوله من عهد المشركين بريئان كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : أنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ أي بعد الحجة .
القول في تأويل قوله تعالى : فإنْ تُبْتُمْ فهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإنْ تَوَلّيْتُمْ فاعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أليمٍ .
يقول تعالى : فإن تبتم من كفركم أيها المشركون ، ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الاَلهة والأنداد ، فالرجوع إلى ذلك خير لكم من الإقامة على الشرك في الدنيا والاَخرة . وإنْ تَوَلّيْتُمْ يقول : وإن أدبرتم عن الإيمان بالله وأبيتم إلا الإقامة على شرككم . فاعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجِزي اللّهِ يقول : فأيقنوا أنكم لا تفيتون الله بأنفسكم من أن يحلّ بكم عذابه الأليم وعقابه الشديد على إقامتكم على الكفر ، كما فعل بذويكم من أهل الشرك ، من إنزال نقمه به وإحلاله العذاب عاجلاً بساحته . وَبَشّر الّذِينَ كَفَرُوا يقول : واعلم يا محمد الذين جحدوا نبوّتك وخالفوا أمر ربهم بعذاب موجع يحلّ بهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : فإنْ تُبْتُمْ قال آمنتم .
{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس } أي إعلام فعال بمعنى الإفعال كالأمان والعطاء ، ورفعه كرفع { براءة } على الوجهين . { يوم الحج الأكبر } يوم العيد لأن فيه تمام الحج معظم أفعاله ، ولأن الإعلام كان فيه ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال " هذا يوم الحج الأكبر " وقيل يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " . ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر ، أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله فإنه أكبر من باقي الأعمال ، أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب ، أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين .
{ أن الله } أي بأن الله . { بريء من المشركين } أي من عهودهم . { ورسوله } عطف على المستكن في { بريء } ، أو على محل { إن } واسمها في قراءة من كسرها إجراء للأذان مجرى القول ، وقرئ بالنصب عطفا على اسم إن أو لأن الواو بمعنى مع ولا تكرير فيه ، فإن قوله { براءة من الله } إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين . { فإن تبتم } من الكفر والغدر . { فهو } فالتوب { خير لكم وإن تولّيتم } عن التوبة أو تبتم على التولي عن الإسلام والوفاء . { فاعلموا أنكم غير معجزي الله } لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا في الدنيا . { وبشّر الذين كفروا بعذاب أليم } في الآخرة .
{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله }
عطف على جملة { براءة من الله ورسوله } [ التوبة : 1 ] وموقع لفظ { أذان } كموقع لفظ { براءة } [ التوبة : 1 ] في التقدير ، وهذا إعلام للمشركين الذين لهم عهد بأنّ عهدهم انتقض .
والأذانُ اسم مصدر آذنه ، إذا أعلمه بإعلان ، مثل العطاء بمعنى الإعطاء ، والأمان بمعنى الإيمان ، فهو بمعنى الإيذان .
وإضافة الأذان إلى الله ورسوله دُون المسلمين ، لأنّه تشريع وحكم في مصالح الأمّة ، فلا يكون إلاّ من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة ، لئلا يكونوا غادرين ، كما قال تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } [ الأنفال : 58 ] . والمراد بالناس جميع الناس من مؤمنين ومشركين لأن العلم بهذا النداء يَهُمّ الناس كلّهم .
ويوم الحجّ الأكبر : قيل هو يوم عرفة ، لأنّه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد ، وهذا يروى عن عمر ، وعثمان ، وابن عباس ، وطاووس ، ومجاهد ، وابن سيرين . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وفي الحديث : « الحج عرفة »
وقيل : هو يوم النحر ، لأنّ الناس كانوا في يوم موقف عرفة مفترقين إذْ كانت الحُمْس يقفون بالمزدلفة ، ويقف بقية الناس بعرفة ، وكانوا جميعاً يحضرون منى يوم النحرِ ، فكان ذلك الاجتماع الأكبرَ ، ونسَب ابنُ عطية هذا التعليل إلى منذر بن سعيد ، وهذا قول علي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، وابن عباس أيضاً ، وابن أبي أوفى ، والزهري ، ورواه ابن وهب عن مالك ، قال مالك : لا نشك أن يوم الحج الأكبر يوم النحر لأنّه اليوم الذي تُرمى فيه الجمرة ، وينحر فيه الهدي ، وينقضي فيه الحج ، من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل الفجر أدرَك الحج .
وأقول : إن يوم عرفة يوم شغل بعبادة من وقوف بالموقف ومن سماع الخطبة . فأما يوم منى فيوم عيدهم .
و { الأكبر } بالجرّ نعت للحجّ ، باعتبار تجزئته إلى أعمال ، فوُصف الأعظم من تلك الأعمال بالأكبر ، ويظهر من اختلافهم في المراد من الحجّ الأكبر أنّ هذا اللفظ لم يكن معروفاً قبل نزول هذه الآية فمن ثم اختلف السلف في المراد منه .
وهذا الكلام إنشاءٌ لهذا الأذان ، موقّتاً بيوم الحجّ الأكبر ، فيؤوّل إلى معنى الأمر ، إذ المعنى آذنوا الناس يوم الحجّ الأكبر بأنّ الله ورسوله بريئان من المشركين .
والمراد ب { الناس } جميع الناس الذين ضمّهم الموسم ، ومن يبلغه ذلك منهم : مؤمنهم ومشركهم ، لأنّ هذا الأذان ممَّا يجب أن يعلمه المسلم والمشرك ، إذ كان حكمه يلزم الفريقين .
وقوله : { أن الله بريء من المشركين } يتعلّق ب { أذان } بحذف حرف الجرّ وهو باء التعدية أي إعلام بهذه البراءة المتقدّمة في قوله : { براءة من الله ورسوله } [ التوبة : 1 ] فإعادتها هنا لأنّ هذا الإعلام للمشركين المعاهَدين وغيرهم ، تقريراً لعدم غدر المسلمين ، والآية المتقدّمة إعلام للمسلمين .
وجاء التصريح بفعل البراءة مرّة ثانية دون إضمار ولا اختصار بأن يقال : وأذان إلى الناس بذلك ، أو بها ، أو بالبراءة ، لأنّ المقام مقام بيان وإطناب لأجل اختلاف أفهام السامعين فيما يسمعونه ، ففيهم الذكّي والغبي ، ففي الإطناب والإيضاح قطع لمعاذيرهم واستقصاء في الإبلاغ لهم .
وعُطف { ورسوله } بالرفع ، عند القرّاء كلّهم : لأنّه من عطف الجملة ، لأنّ السامع يعلم من الرفع أنّ تقديره : ورسولُه بريءٌ من المشركين ، ففي هذا الرفع معنى بليغ من الإيضاح للمعنى مع الإيجاز في اللفظ ، وهذه نكتة قرآنيّة بليغة ، وقد اهتدى بها ضابىء بن الحارث في قوله :
ومن يكُ أمسَى بالمدينةِ رحله *** فإنّي وقيّارٌ بهــــا لغريب
برفع ( قيار ) لأنّه أراد أن يجعل غربة جمله المسمّى « قياراً » غربة أخرى غير تابعة لغربته .
وممّا يجب التنبيه له : ما في بعض التفاسير أنّه روى عن الحسن قراءة { ورسوله } بالجرّ ولم يصحّ نسبتها إلى الحسن ، وكيف يتصور جرّ { ورسوله } ولا عامل بمقتضي جرّه ، ولكنّها ذات قصة طريفة : أنّ أعرابياً سمع رجلاً قرأ { أن الله بريء من المشركين ورسوله } بجرّ ورسولِه فقال الأعرابي : إن كان الله بريئاً من رسوله فأنا منه بريء . وإنّما أراد التورّكَ على القارىء ، فلبَّبَه الرجل إلى عمر ، فحكى الأعرابي قراءتَه فعندها أمر عمر بتعلّم العربية ، وروي أيضاً أنّ أبا الأسود الدؤلي سمع ذلك فرفع الأمر إلى علي . فكان ذلك سبب وضع النحو ، وقد ذكرت هذه القصة في بعض كتب النحو في ذكر سبب وضع علم النحو .
وهذا الأذان قد وقع في الحجّة التي حجّها أبو بكر بالناس ، إذ ألحق رسول الله عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر ، موافياً الموسم ليؤذِّن ببراءة ، فأذن بها علي يوم النحر بمنى ، من أولها إلى ثلاثين أو أربعين آية منها ، كذا ثبت في الصحيح والسنن بطرق مختلفة يزيد بعضها على بعض . ولعلّ قوله : « أو أربعين آية » شكّ من الراوي ، فما ورد في رواية النسائي ، أي عن جابر : أنّ علياً قرأ على الناس بَراءة حتّى ختمها ، فلعلّ معناه حتّى ختم ما نزل منها ممّا يتعلّق بالبراءة من المشركين ، لأنّ سورة براءة لم يتم نزولها يومئِذ ، فقد ثبت أنّ آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي آخر آية من سورة براءة .
وإنّما ألحق النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر الصديق ، لأنه قيل لرسول الله إنّ العرب لا يرون أن يَنقض أحد عهدَه مع مَن عاهده إلاّ بنسفه أو برسول من ذي قرابة نسبه ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يترك للمشركين عذراً في علمهم بنبذ العهد الذي بينه وبينهم .
وروي : أنّ علياً بعث أبا هريرة يطوف في منازل قبائل العرب من منى ، يصيح بآيات براءة حتى صحل صوته . وكان المشركون إذا سمعوا ذلك يقولون لعلي « سترون بعد الأربعة الأشهر فإنّه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلاّ الطعن والضرب » .
{ فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم }
التفريع على جملة : { أن الله بريء من المشركين } ، فيتفرّع على ذلك حالتان : حالة التوبة ، وحالة التولي .
والخطاب للمشركين الذين أوذنوا بالبراءة ، والمعنى : فإنْ آمنتم فالإيمان خير لكم من العهد الذي كنتم عليه ، لأنّ الإيمان فيه النجاة في الدنيا والآخرة ، والعهد فيه نجاة الدنيا لا غير . والمراد بالتولي : الإعراض عن الإيمان . وأريد بفعل { تولّيتم } معنى الاستمرار ، أي : إن دمتم على الشرك فاعلموا أنكم غير مفلتين من قدرة الله ، أي اعلموا أنّكم قد وقعتم في مكنة الله ، وأوشكتم على العذاب .
وجملة : { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } معطوفة على جملة : { وأذن من الله ورسوله } لما تتضمنّه تلك الجملة من معنى الأمر ، فكأنّه قيل : فآذنوا الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين ، وبأنّ من تاب منهم فقد نجا ومن أعرض فقد أوشك على العذاب ، ثم قال : وبشر المعرضين المشركين بعذاب أليم .
و ( البشارة ) أصلها الإخبار بما فيه مسرّة ، وقد استعيرت هنا للإنذار ، وهو الإخبار بما يسوء ، على طريقة التهكّم ، كما تقدّم في قوله تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } في سورة آل عمران ( 21 ) .
والعذاب الأليم : هو عذاب القتل ، والأسر ، والسبي ، وفَيء الأموال ، كما قال تعالى : { وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين } [ التوبة : 26 ] فإنّ تعذيبهم يوم حنين بعضه بالقتل ، وبعضه بالأسر والسبي وغنم الأموال ، أي : أنذر المشركين بأنّك مقاتلهم وغالبهم بعد انقضاء الأشهر الحرم ، كما يدلّ عليه قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] الآية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} يعني يوم النحر، وإنما سمى الحج الأكبر؛ لأن العمرة هي الحج الأصغر، وقال: {أن الله برئ من المشركين ورسوله} من العهد، {فإن تبتم} يا معشر المشركين من الشرك، {فهو خير لكم} من الشرك، {وإن توليتم}، يقول: إن أبيتم التوبة فلم تتوبوا، {فاعلموا أنكم غير معجزي الله}، خوفهم كما خوف أهل العهد أنكم أيضا غير سابقي الله بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها، ثم قال: {وبشر الذين كفروا} بتوحيد الله {بعذاب أليم} يعني وجيع...
عن مالك، أن يوم الحج الأكبر، يوم النحر... قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لا نشك أن الحج الأكبر يوم النحر، وذلك لأنه اليوم الذي ترمى فيه الجمرة، وينحر فيه الهدي وتُراق فيه الدماء، وهذا اليوم الذي ينقضي فيه الحج، من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل الفجر أدرك الحج، وهو انقضاء الحج. وهو الحج الأكبر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وإعلام من الله ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر...
وأما قوله:"يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ" فإنه قيل اختلافا بين أهل العلم؛ فقال بعضهم: هو يوم عرفة... وقال آخرون: هو يوم النحر... وقال آخرون: معنى قوله: "يَوْمُ الحَجّ الأكْبَرِ": حين الحجّ الأكبر ووقته... وبعد: فإن اليوم إنما يضاف إلى معنى الذي يكون فيه، كقول الناس: يوم عرفة، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة، ويوم الأضحى، وذلك يوم يضحون فيه ويوم الفطر، وذلك يوم يفطرون فيه وكذلك يوم الحجّ، يوم يحجون فيه. وإنما يحجّ الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر، لأن في ليلة نهار يوم النحر الوقوف بعرفة كان إلى طلوع الفجر، وفي صبيحتها يعمل أعمال الحجّ فأما يوم عرفة فإنه وإن كان الوقوف بعرفة فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، والحجّ كله يوم النحر.
وأما ما قال مجاهد من أن يوم الحجّ إنما هو أيامه كلها، فإن ذلك وإن كان جائزا في كلام العرب، فليس بالأشهر الأعرف في كلام العرب من معاينه، بل غلب على معنى اليوم عندهم أنه من غروب الشمس إلى مثله من الغد، وإنما محمل تأويل كتاب الله على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لهذا اليوم: يوم الحجّ الأكبر؛ فقال بعضهم: سمي بذلك لأن ذلك كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين... وقال آخرون: الحجّ الأكبر: القران، والحجّ الأصغر: الإفراد... وقال آخرون: الحجّ الأكبر: الحجّ، والحجّ الأصغر: العمرة... عن الشعبي، قال: كان يقال: الحجّ الأصغر: العمرة في رمضان...
وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال: الحجّ الأكبر الحجّ لأنه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها، فقيل له الأكبر لذلك. وأما الأصغر فالعمرة، لأن عملها أقلّ من عمل الحجّ، فلذلك قيل لها الأصغر لنقصان عملها عن عمله.
وأما قوله: "أنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ "فإن معناه: أن الله بريء من عهد المشركين ورسوله بعد هذه الحجة. ومعنى الكلام: وإعلام من الله ورسوله إلى الناس في يوم الحجّ الأكبر، أن الله ورسوله من عهد المشركين بريئان... أي بعد الحجة.
"فإنْ تُبْتُمْ فهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإنْ تَوَلّيْتُمْ فاعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أليمٍ": يقول تعالى: فإن تبتم من كفركم أيها المشركون، ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، فالرجوع إلى ذلك خير لكم من الإقامة على الشرك في الدنيا والآخرة. "وإنْ تَوَلّيْتُمْ" يقول: وإن أدبرتم عن الإيمان بالله وأبيتم إلا الإقامة على شرككم. "فاعْلَمُوا أنّكُمْ غيرُ مُعْجِزي اللّهِ" يقول: فأيقنوا أنكم لا تفيتون الله بأنفسكم من أن يحلّ بكم عذابه الأليم وعقابه الشديد على إقامتكم على الكفر، كما فعل بذويكم من أهل الشرك، من إنزال نقمه به وإحلاله العذاب عاجلاً بساحته.
"وَبَشّر الّذِينَ كَفَرُوا" يقول: وأعلم يا محمد الذين جحدوا نبوّتك وخالفوا أمر ربهم بعذاب موجع يحلّ بهم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إنْ عادوا إلى البابِ لم يقطعْ رجاءهم، ومدَّ إلى حدِّ وضوحِ العُذْرِ إرجاءَهم. وبيَّن أنهم إِنْ أَصَرُّوا على عُتُوِّهم فإلى ما لا يُطِيقون من العذاب مِنْقَلبهُم، وفي النار مثواهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: أي فرق بين معنى الجملة الأولى والثانية؟ قلت: تلك إخبار بثبوت البراءة. وهذه إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت. فإن قلت: لم علقت البراءة بالذين عوهدوا من المشركين وعلق الأذان بالناس؟ قلت: لأنّ البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم، وأمّا الأذان فعام لجميع الناس من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث من المعاهدين ومن لم ينكث...
اعلم أن قوله: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} جملة تامة، مخصوصة بالمشركين، وقوله: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} جملة أخرى تامة معطوفة على الجملة الأولى وهي عامة في حق جميع الناس، لأن ذلك مما يجب أن يعرفه المؤمن والمشرك من حيث كان الحكم المتعلق بذلك يلزمهما جميعا، فيجب على المؤمنين أن يعرفوا الوقت الذي يكون فيه القتال من الوقت الذي يحرم فيه، فأمر الله تعالى بهذا الإعلام يوم الحج الأكبر، وهو الجمع الأعظم ليصل ذلك الخبر إلى الكل ويشتهر ثم قال: {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} في الآخرة لكي لا يظن أن عذاب الدنيا لما فات وزال، فقد تخلص عن العذاب، بل العذاب الشديد معد له يوم القيامة، ولفظ البشارة ورد ههنا على سبيل استهزاء...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان كأنه قيل: ما هذا الإعلام؟ قال مفسراً له مصرحاً بما هو المقصود لئلا يقع فيه نوع لبس حاذفاً الصلة إعلاماً بأن هذا مستأنف على تقدير سؤال سائل، {أن الله} أي الذي له الغنى المطلق والقوة الباهرة {بريء من المشركين*} أي الذين لا عهد لهم خاص فلا مانع من قتالهم ولما أعلم سبحانه بالبراءة عنها، سبب عنها مرغباً مرهباً قوله التفاتاً إلى الخطاب: {فإن تبتم} أي عن الكفر والغدر {فهو} أي ذلك الأمر العظيم وهو المتاب {خير لكم} أي لأنكم تفوزون في الوفاء بالأمان في الدنيا، وفي الإسلام بالسلامة في الدارين. ولما كانت التوبة محبوبة بالطبع لما لها من النفع قال: {وإن توليتم} أي كلفتم أنفسكم خلاف ما يشتهي من التوبة موافقة للفطرة الأولى، وأصررتم على الكفر والغدر اتباعاً للهوى المكتسب من خباثة الجبلة ورداءة الأخلاط التي قعدت بالروح عن أوجها الأول إلى الحضيض الأسفل {فاعلموا} أي علماً لا شبهة فيه {أنكم غير معجزي الله}...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله} هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، مصرحة بالتبليغ الصريح الجهري العام للبراءة من المشركين، أي من عهودهم وسائر خرافات شركهم وضلالاته، ومبينة لوقته الذي لا يسهل تعميمه إلا فيه، وهو يوم الحج الأكبر، وفي تعيينه خلاف سيذكر مع ترجيح أنه عيد النحر الذي تنتهي فيه فرائض الحج وأركانه، ويجتمع الحاج فيه لإتمام واجبات المناسك وسننها في منى. والأذان النداء الذي يطرق الآذان، بالإعلام بما ينبغي أن يعلمه الخاص والعام، وهو اسم من التأذين، قال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أيتها العير إنكم لسارقون} [يوسف:70]، ومنه الأذان للصلاة. وأذن بها أعلم، وآذنه بالشيء إيذانا أعلمه به. وأذن بالشيء (كعلم) علمه، وأذن له (كتعب) استمع. وأعاد التصريح في هذا الأذان بكونه من الله باسم الذات، ومن رسوله بصفة التبليغ الذي تقتضيه الرسالة، كما صرح بهما في البراءة، وصرح في الموضعين بذكر المشركين بعنوان الشرك ووصفه، وذلك لتأكيد هذا الحكم، وتأكيد تبليغه من جميع وجوهه.
ثم أكد ما يجب أن يبلغوه من ذلك بما أوجب أن يخاطبوا به من غير تأخير بقوله: {فإن تبتم} أي قولوا لهم: فإن تبتم بالرجوع عن شرككم وما زينه لكم من الخيانة والغدر بنقض العهود، وقبلتم هداية الإسلام.
{فهو خير لكم} في الدنيا والآخرة؛ لأن هداية الإسلام هي السبب لسعادتهما.
{وإن توليتم} أي أعرضتم عن إجابة هذه الدعوة إلى التوبة.
{فاعلموا أنكم غير معجزي الله} أي غير فائتيه بأن تفلتوا من حكم سننه ووعده لرسله والمؤمنين بالنصر كما تقدم آنفا.
{وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نبأ عن الغيب الذي لا يمكن علمه إلا بوحي الله عز وجل، وقد تقدم في هذا التفسير أن البشارة ما يؤثر في البشرة من الأنباء، إما بالتهلل وإشراق الوجه وهو السرور الذي تنبسط به أسارير الجبهة وتتمدد، وإما بالعبوس والبسور وتقطيب الوجه من الكدر أو الحزن أو الخوف. وغلب في الأول حتى ذهب الأكثرون إلى كونه حقيقة فيه، وأن استعماله فيما يسوء ويكدر إنما يقال من باب التهكم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
بعد ذلك يبين الموعد الذي تعلن فيه هذه البراءة وتبلغ إلى المشركين لينذروا بها وبالموعد المضروب فيها:
{وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر: أن الله بريء من المشركين ورسوله. فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم}..
ويوم الحج الأكبر اختلفت الروايات في تحديده: أهو يوم عرفة أم يوم النحر. والأصح أنه يوم النحر: والأذان البلاغ؛ وقد وقع للناس في الموسم؛ وأعلنت براءة الله ورسوله من المشركين كافة -من ناحية المبدأ- وجاء الاستثناء في الإبقاء على العهد إلى مدته في الآية التالية.. والحكمة واضحة في تقرير المبدأ العام ابتداء في صورة الشمول؛ لأنه هو الذي يمثل طبيعة العلاقات النهائية. أما الاستثناء فهو خاص بحالات تنتهي بانتهاء الأجل المضروب. وهذا الفهم هو الذي توحي به النظرة الواسعة لطبيعة العلاقات الحتمية بين المعسكر الذي يجعل الناس عبيداً لله وحده، والمعسكرات التي تجعل الناس عبيداً للشركاء، كما أسلفنا في التقديم للسورة والتقديم لهذا المقطع منها كذلك.
ومع إعلان البراءة المطلقة يجيء الترغيب في الهداية والترهيب من الضلالة:
{فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم}..
وهذا الترهيب وذلك الترغيب في آية البراءة؛ يشيران إلى طبيعة المنهج الإسلامي. إنه منهج هداية قبل كل شيء. فهو يتيح للمشركين هذه المهلة لا لمجرد أنه لا يحب أن يباغتهم ويفتك بهم متى قدر -كما كان الشأن في العلاقات الدولية ولا يزال!- ولكنه كذلك يمهلهم هذه المهلة للتروي والتدبر، واختيار الطريق الأقوم؛ ويرغبهم في التوبة عن الشرك والرجوع إلى الله، ويرهبهم من التولي، وييئسهم من جدواه، وينذرهم بالعذاب الأليم في الآخرة فوق الخزي في الدنيا. ويوقع في قلوبهم الزلزلة التي ترجها رجاً لعل الركام الذي ران على الفطرة أن ينفض عنها، فتسمع وتستجيب!
ثم.. هو طمأنة للصف المسلم، ولكل ما في قلوب بعضه من مخاوف ومن تردد وتهيب؛ ومن تحرج وتوقع.
فالأمر قد صار فيه من الله قضاء. والمصير قد تقرر من قبل الابتداء!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... والأذانُ اسم مصدر آذنه، إذا أعلمه بإعلان، مثل العطاء بمعنى الإعطاء، والأمان بمعنى الإيمان، فهو بمعنى الإيذان.
وإضافة الأذان إلى الله ورسوله دُون المسلمين، لأنّه تشريع وحكم في مصالح الأمّة، فلا يكون إلاّ من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة، لئلا يكونوا غادرين، كما قال تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} [الأنفال: 58]. والمراد بالناس جميع الناس من مؤمنين ومشركين لأن العلم بهذا النداء يَهُمّ الناس كلّهم.
ويوم الحجّ الأكبر: قيل هو يوم عرفة، لأنّه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد
و {الأكبر} بالجرّ نعت للحجّ، باعتبار تجزئته إلى أعمال، فوُصف الأعظم من تلك الأعمال بالأكبر، ويظهر من اختلافهم في المراد من الحجّ الأكبر أنّ هذا اللفظ لم يكن معروفاً قبل نزول هذه الآية فمن ثم اختلف السلف في المراد منه.
وهذا الكلام إنشاءٌ لهذا الأذان، موقّتاً بيوم الحجّ الأكبر، فيؤوّل إلى معنى الأمر، إذ المعنى آذنوا الناس يوم الحجّ الأكبر بأنّ الله ورسوله بريئان من المشركين.
والمراد ب {الناس} جميع الناس الذين ضمّهم الموسم، ومن يبلغه ذلك منهم: مؤمنهم ومشركهم، لأنّ هذا الأذان ممَّا يجب أن يعلمه المسلم والمشرك، إذ كان حكمه يلزم الفريقين.
وقوله: {أن الله بريء من المشركين} يتعلّق ب {أذان} بحذف حرف الجرّ وهو باء التعدية أي إعلام بهذه البراءة المتقدّمة في قوله: {براءة من الله ورسوله} [التوبة: 1] فإعادتها هنا لأنّ هذا الإعلام للمشركين المعاهَدين وغيرهم، تقريراً لعدم غدر المسلمين، والآية المتقدّمة إعلام للمسلمين.
وجاء التصريح بفعل البراءة مرّة ثانية دون إضمار ولا اختصار بأن يقال: وأذان إلى الناس بذلك، أو بها، أو بالبراءة، لأنّ المقام مقام بيان وإطناب لأجل اختلاف أفهام السامعين فيما يسمعونه، ففيهم الذكّي والغبي، ففي الإطناب والإيضاح قطع لمعاذيرهم واستقصاء في الإبلاغ لهم.
وعُطف {ورسوله} بالرفع، عند القرّاء كلّهم: لأنّه من عطف الجملة، لأنّ السامع يعلم من الرفع أنّ تقديره: ورسولُه بريءٌ من المشركين، ففي هذا الرفع معنى بليغ من الإيضاح للمعنى مع الإيجاز في اللفظ، وهذه نكتة قرآنيّة بليغة،...
وممّا يجب التنبيه له: ما في بعض التفاسير أنّه روى عن الحسن قراءة {ورسوله} بالجرّ ولم يصحّ نسبتها إلى الحسن، وكيف يتصور جرّ {ورسوله} ولا عامل بمقتضي جرّه، ولكنّها ذات قصة طريفة: أنّ أعرابياً سمع رجلاً قرأ {أن الله بريء من المشركين ورسوله} بجرّ ورسولِه فقال الأعرابي: إن كان الله بريئاً من رسوله فأنا منه بريء. وإنّما أراد التورّكَ على القارىء، فلبَّبَه الرجل إلى عمر، فحكى الأعرابي قراءتَه فعندها أمر عمر بتعلّم العربية، وروي أيضاً أنّ أبا الأسود الدؤلي سمع ذلك فرفع الأمر إلى علي. فكان ذلك سبب وضع النحو، وقد ذكرت هذه القصة في بعض كتب النحو في ذكر سبب وضع علم النحو.
وهذا الأذان قد وقع في الحجّة التي حجّها أبو بكر بالناس، إذ ألحق رسول الله عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر، موافياً الموسم ليؤذِّن ببراءة، فأذن بها علي يوم النحر بمنى، من أولها إلى ثلاثين أو أربعين آية منها، كذا ثبت في الصحيح والسنن بطرق مختلفة يزيد بعضها على بعض. ولعلّ قوله: « أو أربعين آية» شكّ من الراوي، فما ورد في رواية النسائي، أي عن جابر: أنّ علياً قرأ على الناس بَراءة حتّى ختمها، فلعلّ معناه حتّى ختم ما نزل منها ممّا يتعلّق بالبراءة من المشركين، لأنّ سورة براءة لم يتم نزولها يومئِذ، فقد ثبت أنّ آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي آخر آية من سورة براءة.
وإنّما ألحق النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر الصديق، لأنه قيل لرسول الله إنّ العرب لا يرون أن يَنقض أحد عهدَه مع مَن عاهده إلاّ بنسفه أو برسول من ذي قرابة نسبه، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يترك للمشركين عذراً في علمهم بنبذ العهد الذي بينه وبينهم.
وروي: أنّ علياً بعث أبا هريرة يطوف في منازل قبائل العرب من منى، يصيح بآيات براءة حتى صحل صوته. وكان المشركون إذا سمعوا ذلك يقولون لعلي « سترون بعد الأربعة الأشهر فإنّه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلاّ الطعن والضرب».
{فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم}
التفريع على جملة: {أن الله بريء من المشركين}، فيتفرّع على ذلك حالتان: حالة التوبة، وحالة التولي.
والخطاب للمشركين الذين أوذنوا بالبراءة، والمعنى: فإنْ آمنتم فالإيمان خير لكم من العهد الذي كنتم عليه، لأنّ الإيمان فيه النجاة في الدنيا والآخرة، والعهد فيه نجاة الدنيا لا غير. والمراد بالتولي: الإعراض عن الإيمان. وأريد بفعل {تولّيتم} معنى الاستمرار، أي: إن دمتم على الشرك فاعلموا أنكم غير مفلتين من قدرة الله، أي اعلموا أنّكم قد وقعتم في مكنة الله، وأوشكتم على العذاب.
وجملة: {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} معطوفة على جملة: {وأذن من الله ورسوله} لما تتضمنّه تلك الجملة من معنى الأمر، فكأنّه قيل: فآذنوا الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين، وبأنّ من تاب منهم فقد نجا ومن أعرض فقد أوشك على العذاب، ثم قال: وبشر المعرضين المشركين بعذاب أليم.
و (البشارة) أصلها الإخبار بما فيه مسرّة، وقد استعيرت هنا للإنذار، وهو الإخبار بما يسوء، على طريقة التهكّم، كما تقدّم في قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} في سورة آل عمران (21).
والعذاب الأليم: هو عذاب القتل، والأسر، والسبي، وفَيء الأموال، كما قال تعالى: {وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} [التوبة: 26] فإنّ تعذيبهم يوم حنين بعضه بالقتل، وبعضه بالأسر والسبي وغنم الأموال، أي: أنذر المشركين بأنّك مقاتلهم وغالبهم بعد انقضاء الأشهر الحرم، كما يدلّ عليه قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] الآية.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وقوله تعالى: {فإن تبتم فهو خير لكم} يتضمن الإشارة إلى مبدأ أساسي في الإسلام، هو أن الإسلام يجب ما قبله، وذلك لما انبنى عليه من سماحة ورحمة وعفو، فمهما اقتحم المشركون والكفار من المعاصي والجرائم، وارتكبوا من الموبقات والمآثم، ثم أسلموا وجوههم لله، إلا ونالتهم المغفرة، وقبلت منهم التوبة، ولم يؤاخذوا بما سلف: {عفا الله عما سلف} والحكمة في ذلك تأليفهم على الملة، وتسهيل دخولهم في الدين، حتى ينيبوا إلى الله، ويسلموا وجوههم إليه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وأراد الله لرسوله أن يعلن هذه البراءة بصوت عالٍ في الموسم الأكبر، ليسمعه الناس كلهم، فيكون حجّةً عليهم، في ما أراد الله دعوتهم إليه، أو ما كلفهم بالقيام به، ليكون ذلك هو الحدّ الفاصل بين مرحلتين: مرحلة الصراع بين التوحيد والشرك، في حروب مختلفةٍ في نتائجها بين النصر لهذا والهزيمة لذاك، والتكافؤ في بعض الحالات، ومرحلة هيمنة التوحيد على الساحة كلها، فلا يرتفع إلاّ صوته، ولا تتحرك إلا مسيرته وسراياه، ولا تحكم الناس إلا شريعته، ليفهم الجميع أنّ عهداً جديداً قد بدأ، وأن النتيجة الحاسمة بانتصار الإسلام قد فرضت نفسها على الجوّ كله...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي الحقيقة، أنّ الله سبحانه يريد في هذا الإِعلان العام في مكّة المكرمة، وفي ذلك اليوم العظيم، أن يوصد كل ذريعة يتذرع بها المشركون والأعداء، ويقطع ألسنة المفسدين، لئلا يقولوا: إنّهم استغفلوا في الحملة أو الهجوم عليهم، وإن ذلك ليس من الشّهامة والرجولة. ثمّ يتوجه الخطاب في الآية إِلى المشركين أنفسهم ترغيباً وترهيباً، لعلهم يهتدون، إذ تقول الآية: (فإن تبتم فهو خير لكم). أي أنّ الاستجابة لرسالة التوحيد فيها صلاحكم وفيها خير لكم ولمجتمعكم ودنياكم وآخرتكم، فلو تدبّرتم بجد وصدق لرأيتم أن قبول الدعوة هو البلسم الشافي لكلّ جراحاتكم وليس في الأمر منفعة لله أو لرسوله.