الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

قوله : { وأذان من الله ورسوله إلى الناس }[ 3 ] ، الآية{[28137]} .

و " الأذان " في اللغة : الإعلام{[28138]} .

و{ يوم الحج الاكبر }[ 3 ] : يوم عرفة{[28139]} ؛ لأن عليا يوم عرفة قرأ على الناس أربعين آية من " براءة " بعثه بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ عليهم في منى لتبلغ جميعهم ، فمن ثم قال قوم : { يوم الحج الاكبر } : يوم النحر{[28140]} . وهو قول مالك{[28141]} .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، خطب يوم عرفة فقال : " أما بعد ، فإن هذا يوم الحج الأكبر " {[28142]} . [ وهو قول عمر ، وابن الزبير ، وعطاء ، وغيرهم{[28143]} .

وروي عن علي أنه قال : { يوم الحج الاكبر } ]{[28144]} : يوم النحر{[28145]} . وهو قول مالك ، واختلف عن ابن عباس{[28146]} . وهو قول ابن عمر ، والسدي ، والشعبي ، وغيرهم{[28147]} .

وقال مجاهد { يوم الحج الاكبر } معناه : حين الحج ، وهو أيام الحج كلها ، لا يوم بعينه{[28148]} .

وقال ابن جريج : { الحج الاكبر } : أيام منى كلها{[28149]} .

واختار الطبري : أن يكون يوم النحر ؛ لأن في ليلته يتم الحج ، وليس من فاته يوم عرفة أو ليلته يفوته الحج ، ومن فاته ليلة يوم{[28150]} النحر إلى الفجر فقد فاته الحج . وحق الإضافة أن تكون إلى{[28151]} المعنى الذي يكون في الشيء ، فلما كان الحج في ليلة يوم النحر أضيف اسم الحج إلى يوم النحر . ولما كان [ من ]{[28152]} لم تغب له الشمس يوم عرفة لم يحج ، وإن كان قد وقف بعرفة طول نهاره ، علم بأنه ليس بيوم الحج إذ لا يتم الحج به ، ألا ترى أنهم يقولون : يوم النحر من أجل أن[ النحر فيه ، ويقولون : يوم عرفة من أجل أن ] الوقوف بعرفة فيه يكون ، و : يوم الفطر من أجل{[28153]} أن الإفطار بعد الصوم فيه يكون ، فكذلك يوم الحج يقال لليوم الذي فيه ، أو في ليله{[28154]} يتم الحج ويحصل ، وفي يومه تعمل أعمال الحج ، من النحر ، والوقوف بمزدلفة ، ورمي الجمار ، والحلق ، وغير ذلك{[28155]} .

وسمي{[28156]} : { الحج الاكبر } : لأنه كان/ في سنة اجتمع فيها المسلمون والمشركون{[28157]} .

وقيل : سمي بذلك ؛ ( لأنه{[28158]} ) من النحر والوقوف بمزدلفة ورمي الجمار والحِلاق{[28159]} وغير ذلك{[28160]} .

وسمي بذلك ؛ لأنه كان يوم حج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ، ووافق عيد اليهود والنصارى{[28161]} .

وقال مجاهد { الحج الاكبر } : القران في الحج ، والأصغر : الإفراد{[28162]} .

وأكثر الناس على أن الأكبر : الحج ، والأصغر : العمرة{[28163]} .

وقال الشعبي{[28164]} الحج الأصغر : العمرة في رمضان{[28165]} .

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ، بعث عليا بأول سورة " براءة " ، إثر أبي بكر عام حج بالناس أبو بكر ، وذلك سنة تسع ، فنادى علي ب : " براءة " في الموسم .

وقيل : يوم النحر نادى بها .

وقيل : يوم عرفة .

وقيل : فيهما جميعا .

ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم ، في سنة عشر .

ومعنى { بريء من المشركين } ، أي : من عهدهم{[28166]} بعد هذه الحجة{[28167]} .

{ فإن تبتم فهو خير لكم }[ 3 ] .

أي : تبتم عن كفركم { وإن توليتم }[ 3 ] ، أدبرتم عن الإيمان ، { فاعلموا أنكم غير معجزي الله } [ 3 ] ، أي : لا تفيئون الله أنفسكم{[28168]} ، { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم }[ 3 ] ، أي : مؤلم{[28169]} ، أي : أعلمهم ، يا محمد ، بذلك{[28170]} .

{ بريء من المشركين } ، وقف ، إن جعلت { ورسوله } : ابتداء أضمر خبره{[28171]} ، أي : ورسوله بريء منهم{[28172]} .

وإن جعلته معطوفا وقفت { ورسوله }{[28173]} ، وكذلك من نصب ، وهي قراءة ابن أبي إسحاق{[28174]} .

{ غير معجزي الله }[ 2 ] ، وقف حسن{[28175]} .

{ بعذاب أليم }[ 3 ] ، ليس بوقف حسن ؛ لأن بعده الاستثناء{[28176]} .

ومن العلماء من يقول : ألا وقف من أول السورة يحسن ؛ لأن الاستثناء مما قبل .


[28137]:زيادة من "ر".
[28138]:قال أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/252: "....مجازه: وعلم من الله، وهو مصدر واسم من قولهم، آذنتهم، أي: أعلمتهم". وفي غريب ابن قتيبة 1852: "...أي: إعلام، ومنه أذان الصلاة إنما هو إعلام بها". وفي أحكام ابن العربي 2/895، "الأذان: هو الإعلام لغة من غير خلاف". انظر: تفسير الماوردي 2/339.
[28139]:وهو قول عمر بن الخطاب، وأبي جحيفة، وابن الزبير، ومجاهد، وابن عباس، وآخرين. انظر: جامع البيان 14/113-116، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1747، 1748، وتفسير ابن كثير 2/334، وفتح القدير 2/383. وهو مذهب أبي حنيفة، وبه قال الشافعي، كما في تفسير القرطبي 8/45.
[28140]:انظر: الأثر الوارد في ذلك في جامع البيان 14/113.
[28141]:تفسير المشكل من غريب القرآن 184، وأحكام ابن العربي 2/898. وفي تفسير القرطبي 8/45: "وهذا مذهب مالك؛ لأن يوم النحر في كالحج كله؛ لأن الوقوف إنما هو ليلته، والرمي والنحر والحلق والطواف في صبيحته". انظر: الإمام مالك مفسرا 216.
[28142]:أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى، رقم 1626.
[28143]:سلفت الإشارة إلى هذا في التعليق السالف قريبا، ومصادر التوثيق هناك، وأضف إليها تفسير الماوردي 2/339، وتفسير البغوي 4/11، وزاد المسير 3/396.
[28144]:زيادة من "ر".
[28145]:جامع البيان 14/116، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1747، وتفسير ابن كثير 2/334، والدر المنثور 4/127.
[28146]:انظر: جامع البيان 14/116 و119، وزاد المسير 3/396.
[28147]:انظر: الآثار الواردة في هذا الشأن في جامع البيان 14/116-126.
[28148]:التفسير 364، وجامع البيان 14/126، وتعقبه، وعزاه أيضا إلى سفيان، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن كثير 2/335، وأضاف: "وكذا قال أبو عبيد". وفي زاد المسير 3/396، "قال سفيان: كما يقال: يوم بعاث، ويوم الجمل، ويوم صفين، يراد به: أيام ذلك، لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياما".
[28149]:التفسير 150، وجامع البيان 14/127، وفيه: "...عن ابن جريج، عن مجاهد قال: الحج الأكبر، أيام منى كلها...".
[28150]:يوم لحق في الأصل.
[28151]:في "ر": أن وهو تحريف.
[28152]:زيادة من "ر".
[28153]:في الأصل: من أجل أن يكون الإفطار...ولا يستقيم به المعنى.
[28154]:في "ر": ليلته.
[28155]:انظر: جامع البيان 14/127، 128، فقد تصرف مكي بالزيادة في ألفاظه.
[28156]:في الأصل: وتسمى.
[28157]:وهو قول الحسن. التفسير 1/409، وجامع البيان 14/128، وتفسير الماوردي 2/339، وزاد المسير 3/396، بزيادة في ألفاظه.
[28158]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[28159]:حلق شعره حلقا من باب "ضرب" وحِلاقا بالكسر. المصباح / حلق.
[28160]:في الأصل: وغيره ذلك، وهو سبق قلم ناسخ. ولم أجد قائل هاذ القول فيما لدي من مصادر.
[28161]:هو قول الحسن المتقدم فوقه. انظر: تفسيره المطبوع 1/409.
[28162]:جامع البيان 14/129، وتفسير الماوردي 2/339، وتفسير البغوي 4/12، وزاد المسير 3/396.
[28163]:وهو قول الزهري، والشعبي، وعطاء، كما في جامع البيان 14/129، وهو الاختيار فيه، وتفسير البغوي 4/12.
[28164]:في "ر": الشبعي، وهو سبق قلم ناسخ.
[28165]:جامع البيان 14/129، والدر المنثور 4/129، وفتح القدير 2/383.
[28166]:في الأصل: عددهم، وهو تحريف.
[28167]:جامع البيان 14/130، بتصرف يسير.
[28168]:في "ر": أنفسهم، وهو سبق قلم ناسخ.
[28169]:في الأصل: مولى، وهو تحريف.
[28170]:الفقرة جميعها مستخلصة من جامع البيان 14/131.
[28171]:انظر: مزيد بيان في مشكل إعراب القرآن 1/323، والمحرر الوجيز 3/7، والدر المصون 3/442.
[28172]:وهو توجيه أحمد بن موسى، كما في القطع والإئتناف 358، وأورده الأشموني في منار الهدى 162، من غير عزو.
[28173]:وهو الوقف عند نافع والأخفش سعيد، كما في القطع والإئتناف 359.
[28174]:إعراب القرآن للنحاس 2/202، والمحرر الوجيز 3/7، وزاد نسبتها إلى عيسى بن عمر، وزاد المسير 3/397، بلفظ: وقرأ أبو رزين، وأبو مجلز، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن يعمر، وزيد عن يعقوب:...والبحر المحيط 5/8، بلفظ: وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وزيد بن علي، وينظر توجيه القراءة في الدر المصون 3/442. هو: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي النحوي البصري، توفي سنة 887هـ. انظر: طبقات الزبيدي 31، وغاية النهاية 1/410.
[28175]:منار الهدى 162، وهو وقف كاف في القطع والإئتناف 359، والمكتفى 291، والمقصد 162.
[28176]:القطع والإئتناف 359، بلفظ: "...فليس بـ: "كاف" عند أحد علمته..." والمقصد 162 ومنار الهدى 162، وزاد: "وقيل: يجوز بجعل {إلا} [4]، بمعنى:/الواو ويبتدأ بها ويستند إليها".