وقوله : { وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر } جملة أخرى ثانية معطوفة على الجملة الأولى ، وهي عامة في حق جميع النَّاسِ ؛ لأنَّ ذلك يجب أن يعرفه المؤمن والمشرك ، من حيثُ إنَّ الحكم المتعلق بذلك يلزمهما جميعاً ، فيجبُ على المؤمنين أن يعرفوا الوقت الذي يباحُ فيه القتال من الوقت الذي يحرم فيه ، فأمره تعالى بهذا الإعلام يوم الحج الأكبر ، وهو الجمع الأعظم ، ليصل ذلك الخبر إلى الكل ، فيشتهر . وفي هذا العطف الإشكال الذي ذكره أبو حيان في صدر الآية عند قوله { وَأَذَانٌ مِّنَ الله } .
اختلفوا في يوم الحجِّ الأكبر ، فقال ابن عباس في رواية عكرمة " إنَّه يومُ عرفةَ " وهو قول عُمر ، وسعيد بن المسيب ، وابن الزبير ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وإحدى الروايتين عن علي{[17561]} ، ورواية المسور بن مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيَّة عرفة ، فقال : " أمَّا بعدُ فإنَّ هذا يوم الحج الأكبر " لأنَّ معظم أفعال الحج فيه{[17562]} ، وروي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم النَّحر عند الجمرات ، وقال : " هذا يومُ الحج الأكبر " وقال عليه الصلاة والسلام " الحج عرفةُ{[17563]} " ولأنَّ أعظم أعمال الحج الوقوف بعرفة ؛ لأنَّ من أدركه ، فقد أدرك الحجَّ ، ومن فاته فقد فاته الحجُّ .
وقال ابنُ عبَّاسٍ في رواية عطاء يوم الحج الأكبر : يوم النحر{[17564]} ، وهو قول النخعيّ ، والشعبيّ ، والسديّ ، وإحدى الروايتين عن عليٍّ ، وقول المغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير .
وروى ابن جريج عن مجاهد أنه قال : يوم الحجِّ الأكبر أيَّام منى كلها{[17565]} ، وهو مذهب سفيان الثَّوريّ ، وكان يقول : يوم الحجِّ الأكبر : أيامه كلها ، كما يقال : يوم صفين ، ويوم الجمل ، ويراد به الحين والزمان .
وأما تسيمته بيوم الحج الأكبر ، فإن قلنا : إنَّه يوم عرفة ؛ فلأنه أعظم واجباته ، ومن فاته الحجُّ ، وكذلك إن قلنا : إنَّه يوم النحر ، لأن معظم أفعال الحج يفعل فيه ، وقال الحسنُ : سُمِّيَ بذلك لاجتماعِ المسلمين والمشركين فيه ، وموافقته لأعياد أهل الكتاب ، ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده ، فعظم ذلك اليوم في قلب كل مؤمنٍ وكافر ، وطعن الأصم في هذا الوجه وقال : عيدُ الكفَّارِ فيه سخط . وهذا الطَّعن ضعيفٌ ؛ لأنَّ المرادَ أنَّ ذلك اليوم استعظمه جميع الطوائف ، فلذلك وصف بالأكبر .
وقيل سُمِّي بذلك ؛ لأن المسلمين والمشركين حَجُّوا في تلك السَّنة ، وقيل : الأكبرُ الوقوف بعرفة والأصغر النَّحر ، قاله مجاهدٌ ، ونقل عن مجاهدٍ : الأكبر القرانُ ، والأصغر الإفراد{[17566]} ، فإن قيل : قوله : { بَرَآءَةٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مِّنَ المشركين } وقوله { أَنَّ الله برياء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ } لا فرق بينهما ، فما فائدة هذا التكرار ؟
الأولُ : أنَّ المقصودَ من الأوَّلِ البراءة من العهد ، ومن الثاني : البراءة التي هي نقيض الموالاة ، ويدلُّ على هذا الفرقِ في البراءة الأولى برىء إليهم ، وفي الثانية برئ منهم .
الثاني : أنَّهُ تعالى في الكلام الأوَّل ، أظهر البراءة عن المشركين الذين عاهدوا ونقضوا العهد ، وفي هذه الآية أظهر البراءة عن المشركين من غير أن وصفهم بوصف معيّن ، تنبيهاً على أنَّ الموجب لهذه البراءة كفرهم وشركهم .
قوله " فإن تُبْتُمْ " عن الشكر ، وأخلصتم التَّوحيدَ : { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن الإيمان { فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله } وذلك وعيد عظيم .
ثم قال { وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } في الآخرة ، والبشارةُ - ههنا - وردت على سبيل الاستهزاء كما يقال : تحيتهم الضرب ، وإكرامهم الشَّتم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.