فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

{ وأذان من الله ورسوله } الأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء ، ومعنى { إلى الناس } التعميم في هذا أي إنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم ، فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس ، والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعادين خاصة .

{ يوم الحج الأكبر } ظرف لقوله وأذان ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه أواحترازا عن العمرة فهي الحج الأصغر ، لأن أعمالها أقل من أعمال الحج إذ يزيد عليها بأمور كالرمي والمبيت ، فكان أكبر بهذا الاعتبار ، وسمي يوم الحج لأن أعمال الحج يتم فيه معظمها .

وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية فذهب جمع منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة ومجاهد إلى أنه يوم النحر ، ورجحه ابن جرير ، وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاووس إلى أنه يوم عرفة والأول أرجح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر .

وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن يوم الحج الأكبر فقال يوم النحر{[870]} . وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن قرط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر{[871]} وعن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : يوم الأضحى ، هذا يوم الحج الأكبر{[872]} . أخرجه ابن مردويه .

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال : أي يوم هذا ؟ قالوا يوم النحر ، قال : هذا يوم الحج الأكبر . أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة وغيرهم{[873]} .

ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر هو يوم الحج الأكبر هي ثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرحة بأنه يوم عرفة ، وقيل أيام منى كلها ، وبه قال مجاهد وسفيان الثوري هو يوم النحر ، وقيل اليوم الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبه قال ابن سيرين والأول أولى ، وقيل القرآن . قاله مجاهد .

{ إن الله بريء من المشركين ورسوله } أي بأن الله بريء ورسوله بريء منهم ، وقرئ ورسوله بالجر على أن الواو للقسم وهي ضعيفة جدا ، وقرئ شاذا أيضا بالنصب على أنه مفعول معه ، قاله الزمخشري ، والرفع قراءة الجمهور باتفاق السبعة .

{ فإن تبتم } من الكفر ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب وقيل فائدة هذا الالتفات زيادة التهديد { فهو } أي المتاب أو التوب أو التوبة { خير لكم } أي : أخير وأحسن من بقائكم على الكفر الذي هو خير في زعمكم ، أو التفضيل ليس على بابه ، والمعنى : هو خير لا شر ، وفيه ترغيب في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لدخول النار .

{ وإن توليتم } أي أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر { فاعلموا أنكم غير معجزي الله } أي غير فائتين عليه ، بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم ، وفيه وعيد عظيم وتهديد شديد { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } عبر عن الإخبار بالبشارة تهكما بهم وفيه من التهديد ما لا يخفى .


[870]:- الترمذي كتاب التفسير 9/4.
[871]:- المستدرك كتاب الأضاحي 4/221.
[872]:- أبو داود كتاب المناسك باب 71.
[873]:- أبو داود كتاب المناسك باب 66.