الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

{ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ } عطف على قوله براءة ، ومعناه : إعلام ، ومنه الأذان بالصلاة ، يقال : أذنته فأذن أي أعلمته فعلم ، وأصله من الأُذن أي أوقعته في أُذنه ، وقال عطية العوفي [ و . . . ] [ الأذان ] { وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ } إلى قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } الآية ، وذلك ثمان وعشرون آية .

{ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ } اختلفوا فيه فقال أبو جحيفة وعطاء وطاووس ومجاهد : يوم عرفة ، وهي رواية عمرو عن ابن عباس ، يدل عليه حديث أبي الصّهباء البكري ، قال : سألت علي بن أبي طالب عن يوم الحج الاكبر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قحافة يعلم الناس الحج وبعثني معه بأربعين آية من براءة حتى أتى عرفة ، فخطب الناس يوم عرفة فلمّا قضى خطبته التفت اليّ وقال : هلمّ يا علي فأدّ رسالة رسول الله ، فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة ، ثم صدرنا حتى أتينا منى ، فرميت الجمرة ونحرت البدنة وحلقت رأسي ، وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا كلهم خطبة أبي بكر رضي الله عنه يوم عرفة فطفت أتتبع بها الفساطيط أقرأها عليهم ، فمن ثم أخال حسبتم أنه يوم النحر ألا وهو يوم عرفة .

وروى شهاب بن عباد القصري عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : هذا يوم عرفة يوم الحج الاكبر فلا يصومنّه أحد . قال : فحججت بعد أبي فأتيت المدينة فسألت عن أفضل أهلها فقالوا : سعيد بن المسيب ، فأتيته فقلت : أخبرني عن صوم يوم عرفة فقال : أخبرك عمّن هو أفضل مني مائة ضعف عن عمر وابن عمر ، كان ينهى عن صومه ويقول هو يوم الحج الأكبر .

وقال معقل بن داود : سمعت ابن الزبير يقول يوم عرفة : هذا يوم الحج الأكبر فلا يصمْهُ أحد ، وقال غالب بن عبيد الله : سألت عطاء عن يوم الحج الأكبر ، فقال : يوم عرفة فاقض منها قبل طلوع الفجر .

وقال قيس بن مخرمة : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ثم قال : أما بعد وكان لا يخطب إلاّ قال أما بعد فإنّ هذا يوم الحج الأكبر " ، وقال نافع بن جبير ، وقيس بن عباد ، وعبد الله ابن شراد ، والشعبي والنخعي والسدي ، وابن زيد هو يوم النحر وهو إحدى الروايتين عن علي رضي الله عنه .

قال يحيى بن الجواد : خرج علي رضي الله عنه يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبّانة فجاءه رجل فأخذ بلجام دابته وسأله عن الحج الأكبر ، فقال : هو يومك هذا فخلّ سبيلها .

وقال عياش العامري : سئل عبد الله بن أبي أوفى عن يوم الحج الاكبر فقال : سبحان الله هو يوم النحر يوم يهراق فيه الدماء ويحلق فيه الشعر ويحل فيه الحرام .

وروى الأعمش عن عبد الله بن سنان . قال خطبنا المغيرة بن شعبة على ناقة له يوم الأضحى فقال : هذا يوم الأضحى ، وهذا يوم النحر ، وهذا يوم الحج الاكبر .

وروى شعبة بن أبي بشر ، قال : اختصم علي بن عبد الله بن عباس ورجل من آل شيبة في يوم الحج الاكبر ، فقال علي : هو يوم النحر ، وقال الذي من آل شيبة : هو يوم عرفة فأرسلوا إلى سعيد بن جبير فسألوه فقال : هذا يوم النحر إلا ترى أنه من فاته يوم عرفة لم يفته الحج ، وإذا فاته يوم النحر فقد فاته الحج ، يدل عليه ما روى الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجة في نفر بعثهم يوم النحر يؤذّنون بمنى : لا يحج بعد العام مشرك ، ولايطوف بالبيت عريان ، فأردف رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يأمره أن يؤذّن ببراءة ، قال أبو هريرة : فأذّن معنا علي كرم الله وجهه أهل منى يوم النحر ببراءة .

صالح عن ابن شهاب أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن أبا بكر بعث في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذِّنون في الناس : لايحجّنّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، فكان حميد يقول : يوم النحر يوم الحج الأكبر من أصل حديث أبي هريرة .

ابن عيينة عن ابن جريج عن مجاهد قال : يوم الحج الأكبر حين الحج أيام منى كلها ومجامع المشركين بعكاظ وذي المجارة ومخشة ، ويوم نادى فيه علي بما نادى ، وكان سفيان الثوري يقول : يوم الحج الأكبر أيامه كلّها مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بُعَاث والزمان ، لأن كل حرب من هذه الحروب كانت أياماً كثيرة .

واختلفوا أيضاً في السبب الذي لأجله قيل : هذا اليوم يوم الحج الاكبر . فقال الحسن : يسمّى الحج الأكبر من أجل أنه اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين ، وقال عبد الله بن الحرث ابن نوفل : يوم الحج الاكبر كان لحجة الوداع ، اجتمع فيه حج المسلمين وعيد اليهود والنصارى والمشركين ، ولم يجتمع قبله ولابعده .

وروى منصور وحماد عن مجاهد قال : يقال الحج الأكبر القرآن ، والحج الأصغر أفراد الحج ، وقال الزهري والشعبي وعطاء : الحج الأكبر : الحج ، والحج الأصغر : العمرة ، وقيل لها [ . . . . . . . . . . . . . ] عملها [ . . . . . . . . . . . . . ] من الحج .

قوله عز وجل : { أَنَّ اللَّهَ } قرأ عيسى أنّ الله بالكسر على الابتداء لأن الأذان قول { بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } قراءة العامة بالرفع على الابتداء وخبره مضمر تقديره : ورسوله أيضاً بريء ، وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب ( ورسوله ) بالنصب عطفاً على اسم الله ، ولم يقل بريئان لأنه يرجع إلى كل واحد منهما كقول الشاعر :

فمن يك أمسى بالمدينة رحله *** فأني وقيار بها لغريب

وروي عن الحسن ورسوله بالخفض على القسم ، وبلغني أن اعربياً سمع رجلاً يقرأ هذه القراءة . فقال : إن كان أمراً من رسوله فإني بريء منه أيضاً ، فأخذ الرجل ( بتلْنَتِه ) وجرّه إلى عمر ابن الخطاب ، فقص الأعرابي قصته وقوله أيضاً ، فعند ذلك أمر عمر بتعليم العربية .

{ فَإِن تُبْتُمْ } رجعتم من كفركم وأخلصتم بالتوحيد { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن الإيمان ( إلى الإصرار ) على الكفر { فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ } وأخبر { الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }