المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

31- يا بني آدم : خذوا زينتكم من اللباس المادي الذي يستر العورة ، ومن اللباس الأدبي وهو التقوى ، عند كل مكان للصلاة ، وفي كل وقت تؤدون فيه العبادة ، وتمتعوا بالأكل والشرب غير مسرفين في ذلك ، فلا تتناولوا المحرم ، ولا تتجاوزوا الحد المعقول من المتعة ، إن الله لا يرضى عن المسرفين{[66]} .


[66]:يحث الإسلام على وجوب المحافظة على حسن المظهر وما يتبعه من النظافة لاسيما في كل اجتماع وهذا ما تقرره أساليب الصحة الوقائية. وأما عدم الإسراف فقد العلم أن الجسم لا يستفيد بكل يلقي فيه من الطعام، وإنما يّأخذ مجرد كفايته منه، ثم يبذل بعد ذلك مجهودا كبيرا للتخلص مما زاد منه عن حاجته، وبجانب هذا تصاب المعدة وسائر الجهاز الهضمي بإرهاق شديد ويسلم المرء إلى أمراض معينة خاصة بذلك الجهاز، ومن الإسراف كذلك تناول مادة معينة من مواد الطعام بنسبة كبيرة تطغى على النسب اللازمة من المواد الأخرى كالإسراف في تناول الدهنيات بحيث تطغى على مقدار ما يحتاجه الجسم من زلاليات وهكذا، والآية الكريمة تحثنا بجانب هذا على الأكل من الطيبات لتصح أبداننا ولنقوى على العمل، وكذلك فإن الإسراف في الأكل يؤدي إلى البدانة الأمر الذي يرهق الجسم، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم والسكر والذبحة الصدرية.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

قوله تعالى : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } ، قال أهل التفسير : كان بنو عامر يطوفون بالبيت عراة ، فأنزل الله عز وجل : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } ، يعني الثياب ، قال مجاهد : ما يواري عورتك ولو عباءة ، قال الكلبي : الزينة ما يواري العورة عند كل مسجد لطواف و صلاة .

قوله تعالى : { وكلوا واشربوا } ، قال الكلبي : كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم من الطعام إلا قوتاً ، ولا يأكلون دسماً ، يعظمون بذلك حجهم . فقال المسلمون : نحن أحق أن نفعل ذلك يا رسول الله ، فأنزل الله عز وجل : ( وكلوا ) يعني اللحم والدسم واشربوا .

قوله تعالى : { ولا تسرفوا } ، بتحريم ما أحل الله لكم من اللحم والدسم .

قوله تعالى : { إنه لا يحب المسرفين } ، الذين يفعلون ذلك ، قال ابن عباس : كل ما شئت ، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان ، سرف ومخيلة . قال علي بن الحسين بن واقد : قد جمع الله الطب كله في نصف آية فقال : { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

{ 31 } { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }

يقول تعالى - بعد ما أنزل على بني آدم لباسا يواري سوءاتهم وريشا : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أي : استروا عوراتكم عند الصلاة كلها ، فرضها ونفلها ، فإن سترها زينة للبدن ، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها .

ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن ، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة ، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس .

ثم قال : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا } أي : مما رزقكم اللّه من الطيبات { وَلَا تُسْرِفُوا } في ذلك ، والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم ، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب واللباس ، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام .

{ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } فإن السرف يبغضه اللّه ، ويضر بدن الإنسان ومعيشته ، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات ، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب ، والنهي عن تركهما ، وعن الإسراف فيهما .

{ 32 - 33 } { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرّون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب ، والمحرّمين منهم أكل ما لم يحرّمه الله عليهم من حلال رزقه تبرّرا عند نفسه لربه : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ من الكساء واللباس ، عِنْدَ كُلْ مَسْجِد وكُلُوا من طيبات ما رزقتكم ، وحللته لكم ، وَاشْرَبُوا من حلال الأشربة ، ولا تحرّموا إلا ما حرّمت عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ، قال : حدثنا خالد بن الحرث ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنّ النساء كنّ يطفن بالبيت عراة وقال في موضع آخر : بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله ، وتقول :

اليَوْمَ يَبْدُوا بَعْضُهُ أوْ كُلّهُ ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ

قال : فنزلت هذه الاَية : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يطوفون عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل ، وكانت المرأة تقول :

اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلهُ ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أحِلّهُ

فقال الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن عباس : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلْ مَسْجِدٍ قال : الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عندر ووهب بن جرير ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت مسلما البطين يحدّث عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة قال غُنْدَرٌ : وهي عريانة ، قال وهب : كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرها وما هنالك .

قال غندر : وتقول : من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها وتقول :

اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُ ***وَما بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ

فأنزل الله يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِيَنَتكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مسْجِدٍ . . . الاَية ، قال : كان رجال يطوفون بالبيت عراة ، فأمرهم الله بالزينة . والزينة : اللباس ، وهو ما يواري السوأة ، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع ، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجد .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي وابن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء : خُذُوا زِينَتَكُمْ قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، بنحوه .

حدثني عمرو ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ : البسوا ثيابكم .

حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : كان ناس يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فأمروا أن يلبسوا الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : ما وارى العورة ولو عباءة .

حدثنا عمرو قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، وأبو عاصم ، وعبد الله بن داود ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : ما يواري عورتك ولو عباءة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ في قريش ، لتركهم الثياب في الطواف .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن إبراهيم ، عن نافع ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : الشملة من الزينة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن طاوس : خُذوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال : الثياب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد وأبو أسامة ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة ، فقالت :

اليَوْمَ يَبْدو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُ ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدِ قال : كان حيّ من أهل اليمن كان أحدهم إذا قدم حاجّا أو معتمرا يقول : لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دنّست فيه ، فيقول : من يعيرني مئزرا ؟ فإن قدر على ذلك ، وإلا طاف عريانا ، فأنزل الله فيه ما تسمعون : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قال الله : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ يقول : ما يواري العورة عند كلّ مسجد .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ : أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة ، إلا الحمس قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس ، فإنه لا يحلّ له أن يلبس ثيابه ، فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانا ، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها حراما عليه ، فلذلك قال : خُذُوا زِينَتَكُمْ عَنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ .

وبه عن معمر قال : قال ابن طاوس ، عن أبيه : الشملة من الزينة .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ . . . الاَية ، كان ناس من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عراة ليلاً ، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم وَلا يتعرّوا في المسجد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : خُذُوا زِينَتَكُمْ قال : زينتهم ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون .

وحدثني به مرة أخرى بإسناده ، عن ابن زيد في قوله : قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخُرَجَ لِعِبادِهِ ، وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قال : كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها ، فإن وجدوا من يعيرهم ثيابا ، وإلا طافوا بالبيت عراة ، فقال : مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ قال : ثياب الله التي أخرج لعباده . . . الاَية .

وكالذي قلنا أيضا ، قالوا في تأويل قوله : وَكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : أحلّ الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله : وكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ في الطعام والشراب .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قال : كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم ، فقال الله لهم : كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول : لا تسرفوا في التحريم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا قال : أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تُسْرِفُوا لا تأكلوا حراما ذلك الإسراف .

وقوله إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول : إن الله لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلال أو حرام ، الغالين فيما أحلّ الله أو حرّم بإحلال الحرام ، وبتحريم الحلال ، ولكنه يحب أن يحلل ما أحلّ ويحرّم ما حرّم ، وذلك العدل الذي أمر به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

إعادة النّداء في صدر هذه الجملة للاهتمام ، وتعريف المنادَى بطريق الإضافة بوصف كونهم بني آدم متابعة للخطاب المتقدّم في قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } [ الأعراف : 26 ] .

وهذه الجملة تتنزّل ، من التي بَعدها ، وهي قوله : { قل من حرم زينة الله } [ الأعراف : 32 ] منزلة النّتيجة من الجدل ، فقدمت على الجدل فصارت غرضاً بمنزلة دعوى وجعل الجدل حجّة على الدّعوى ، وذلك طريق من طرق الإنشاء في ترتيب المعاني ونتائجها .

فالمقصد من قوله : { خذوا زينتكم } إبطال ما زعمه المشركون من لزوم التّعرّي في الحجّ في أحوال خاصّة ، وعند مساجد معيّنة ، فقد أخرج مسلم عن ابن عبّاس ، قال : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول من يُعيرني تِطْوافاً تجعله على فرجها وتقول :

اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه *** وما بَدا منه فلا أُحِلُّه

وأخرج مسلم عن عروة بن الزبير ، قال : كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلاّ الحُمْس ، والحُمْس قريشٌ وما ولدتْ فكان غيرهم يطوفون عراة إلاّ أن يعطيهم الحُمْس ثياباً فيعطِي الرّجالُ الرّجالَ والنّساءُ النّساءَ ، وعنه : أنّهم كانوا إذا وصلوا إلى منى طرحوا ثيابهم وأتوا المسجد عُراة . وروي أنّ الحُمْس كانوا يقولون نحن أهل الحرم فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلاّ في ثيابنا ولا يأكل إذا دَخل أرضنا إلاّ من طعامنا . فمن لم يكن له من العرب صديق بمكّة يعيره ثوباً ولا يجد من يستأجر به كان بين أحد أمرين إمّا أن يطوف بالبيت عُرياناً ، وإمّا أن يطوف في ثيابه فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسّه أحد وكان ذلك الثّوب يسمّى : اللَّقَى بفتح اللام قال شاعرهم :

كفى حزناً كَري عليه كأنّه *** لقى بين أيدي الطائفين حَرامُ

وفي « الكشاف » ، عن طاووس : كان أحدهم يطوف عرياناً ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضُرِب وانتُزِعَت منه لأنّهم قالوا : لا نعبد الله في ثياببٍ أذنَبْنا فيها ، وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم إذ أمر أبا بكر رضي الله عنه ، عام حجّته سنة تسع ، أن ينادي في الموسم : " أنْ لا يحج بعد العام مُشرك ولا يطوفَ بالبيت عُريان " .

وعن السدي وابن عبّاس كان أهل الجاهليّة التزموا تحريمَ اللّم والودك في أيام الموسم ، ولا يأكلون من الطّعام إلاّ قُوتاً ، ولا يأكلون دَسماً ، ونسب في « الكشاف » ذلك إلى بني عامر ، وكان الحُمْس يقولون : لا ينبغي لأحد إذا دخل أرضَنا أن يأكل إلاّ من طعامنا ، وفي « تفسير الطبري » عن جابر بن زيد كانوا إذا حجوا حرّموا الشاة ولبنها وسمْنها . وفيه عن قتادة : أنّ الآية أرادت ما حرّموه على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي .

فالأمر في قوله : { خذوا زينتكم } للوجوب ، وفي قوله : { وكلوا واشربوا } للإباحه لبني آدم الماضين والحاضرين .

والمقصود من توجيه الأمر أو من حكايته إبطالُ التّحريم الذي جعله أهل الجاهليّة بأنهم نقضوا به ما تقرّر في أصل الفطرة ممّا أمر الله به بني آدم كلّهم ، وامتن به عليهم ، إذ خلق لهم ما في الأرض جميعاً . وهو شبيه بالأمر الوارد بعد الحَظر . فإنّ أصله إبطال التّحريم وهو الإباحة كقوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } [ المائدة : 2 ] بعد قوله : { غير محلي الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 1 ] وقد يعرض لما أبطل به التّحريم أن يكون واجباً . فقد ظهر من السّياق والسّباق في هذه الآيات أن كشف العورة من الفواحش ، فلا جرم يكون اللّباس في الحجّ منه واجبٌ ، وهو ما يستْر العورة ، وما زاد على ذلك مباح مأذون فيه إبطالاً لتحريمه ، وأمّا الأمر بالأكل والشّرب فهو للإباحة إبطالاً للتّحريم ، وليس يجب على أحد أكل اللّحم والدّسم .

وقوله : { عند كل مسجد } تعميم أي لا تخصّوا بعض المساجد بالتّعري مثل المسجد الحرام ومسجد مِنَى ، وقد تقدّم نظيره في قوله : { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 29 ] . وقد ظهرت مناسبة عطف الأمر بالأكل والشّرب على الأمر بأخذ الزّينة ممّا مضى آنفاً .

والإسراف تقدّم عند قوله تعالى : { ولا تأكلوها إسرافاً } في سورة النّساء ( 6 ) ، وهو تجاوز الحدّ المتعارف في الشّيء أي : ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللّحوم والدّسم لأنّ ذلك يعود بأضرار على البدن وتنشأ منه أمراض معضلة .

وقد قيل إنّ هذه الآية جمعت أصول حفظ الصّحة من جانب الغذاء فالنّهي عن السرف نهيُ إرشاد لا نهي تحريم بقرينة الإباحة اللاّحقة في قوله : { قل من حرم زينة الله } إلى قوله { والطيبات من الرزق } [ الأعراف : 32 ] ، ولأنّ مقدار الإسراف لا ينضبط فلا يتعلّق به التّكليف ، ولكن يوكل إلى تدبير النّاس مصالحهم ، وهذا راجع إلى معنى القسط الواقع في قوله سابقاً : { قل أمر ربي بالقسط } [ الأعراف : 29 ] فإن ترك السّرف من معنى العدل .

وقوله : { إنه لا يحب المسرفين } تذييل ، وتقدّم القول في نظيره في سورة الأنعام .