الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

{ يَابَنِي ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } قال المفسّرون : كانت بنو عامر في الجاهلية يطوفون في البيت عُراة الرجال بالنهار والنساء بالليل ، وكانوا إذا قدموا مسجد منى طرح أحدهم ثيابه في رحله وإن طاف وهي عليه ضُرب [ وانبزعت ] منه فأنزل الله تعالى : { يَابَنِي ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } يعني الثياب .

وقال مجاهد : ما تواري به عورتك [ للصلاة والطواف ] وقال عطيّة وأبو روق وأبو رزين : المشط . وسمعت أبو القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا الهيثم [ الجهني ] يحكي عن السنوخي القاضي : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } يعني : رفع الأيدي في مواقيت الصلاة .

وروى علي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخبر ، قول جبرائيل ( عليه السلام ) للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء زينة وإن زينة الصلاة برفع الأيدي فيها في ثلاث مواضع إذا تحرمت ( للصلاة ) : إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع " .

{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ } قال الكلبي : كانت بنو عامر لا يأكلون من الطعام إلاّ قوتاً ولا يأكلون دسماً في أيام حجّهم يعظّمون بذلك حجّهم فقال المسلمون : يا رسول الله نحن أحق أن نفعل ذلك ، فأنزل الله تعالى { وكُلُواْ } يعني اللحم والدسم { وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ } يعني الحرام .

قال ابن عباس : كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك سرف ومخيلة ، وقال مجاهد : الإسراف ما قصرت به عن حق الله . وقال : لو أنفقت مثل أُحُد في طاعة الله لم يكن سرفاً ولو أنفقت درهماً أو مداً في معصية الله كان إسرافاً .

وقال الكلبي : ولا تُسرفوا يعني لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } المتجاوزين من فعل الحرام في الطعام والشراب ، وبلغني أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق ، فقال لعليّ بن الحسين بن واقد : ليس في كتابكم من علم الطب شيء ، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان ، قال عليّ : قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا قال : وما هي ؟ قال : قوله تعالى { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } فقال النصراني : ولا يؤثر [ عن رسولكم ] شيء في الطب ؟

فقال عليّ : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب فيّ [ ألفاظ يسيرة ] قال : وما هي ؟ قال : قوله : " المعدة بيت الداء والحمية رأس كلّ دواء وأعطِ كل بدن ما عودته " .

فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّاً .