غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

26

ثم لما أمر بالقسط وكان من جملته أمر اللباس والمأكول والمشروب وأيضاً أمر بإقامة الصلاة وكان ستر العورة شرطاً لصحتها فلا جرم قال : { يا بني آدم خذوا زينتكم } عن ابن عباس قال : كان أناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفليها سيوراً مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر تقيها من الذباب وهي تقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله *** وما بدا منه فلا أحله

وعن طاوس : لم يأمرهم بالحرير والديباج وإنما كان أحدهم يطوف عرياناً ويدع ثيابه وراء المسجد . وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها : وقيل : كانوا يفعلون ذلك تفاؤلاً ليتعروا من الذنوب كما تعروا من الثياب . وقال الكلبي : كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً في أيام حجهم يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون : يا رسول الله نحن أحق بذلك فأنزل الله الآية . قال أكثر المفسرين : المراد من الزينة لبس الثياب لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } [ النور : 31 ] يعني الثياب . وأيضاً الزينة لا تحصل إلا بالستر التام للعورات ولأنه يناسب ما تقدم من ذكر اللباس والرياش ، ولأن ظاهر الأمر الوجوب وكل ما سوى اللبس غير واجب فوجب حمل الزينة على اللبس عملاً بالنص بقدر الإمكان . والسنة فيه أن يأخذ الرجل أحسن هيئة للصلاة . وقيل : الزينة المشط . وقيل : الطيب . ثم إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالآية تقتضي وجوب اللبس التام عند كل صلاة ترك العمل به في القدر الذي لا يجب ستره من الأعضاء إجماعاً بقي الباقي داخلاً تحت اللفظ . فإذن ستر العورة واجب في الصلاة وإلا فسدت صلاته . قال أصحاب أبي حنيفة : لبس الثوب المغسول بماء الورد على أقصى وجوه النظافة أخذ للزينة فيكفي في صحة الصلاة . وأجيب بأن اللام في قوله : { ويقيموا الصلاة } [ البينة : 5 ] تنصرف إلى المعهود السابق وهو صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم قلتم إنه يصلي في الثوب المغسول بماء الورد ؟ أما قوله : { وكلوا } أي اللحم والدسم . { واشربوا } فقد قيل إنهما أمر إباحة بالاتفاق فوجب أن يكون أخذ الزينة أيضاً على الإباحة . وأجيب بأنه لا يلزم من ترك الظاهر في المعطوف تركه في المعطوف عليه مع أن الأكل والشرب قد يكونان واجبين . أيضاً في الجملة وهما يشملان جميع المطعومات والمشربات ويتناولان الأحوال والأوقات إلا ما خصه الدليل المنفصل . والعقل أيضاً مؤكد لهذا المعنى لأن الأصل في المنافع الحل والإباحة . وفي قوله : { ولا تسرفوا } وجهان : الأول أنه يأكل ويشرب بحيث لا يتعدى إلى الحرام ولا يكثر الإنفاق المستقبح ولا يتناول مقداراً كثيراً يضره ولا يحتاج إليه . الثاني - وهو قول أبي بكر الأصم - أن المراد من الإسراف قولهم بتحريم البحيرة والسائبة فإنهم أخرجوها عن ملكهم وتكروا الانتفاع بها . وأيضاً إنهم حرموا على أنفسهم في وقت الحج ما أحله الله تعالى لهم . قال بعض العلماء : إن حمل الإسراف على الاستكثار مما لا ينبغي أولى من حمله على المنع مما يجوز وينبغي . وعن ابن عباس : كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة ، ويحكى أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين بن واقد صاحب المغازي : ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم أبدان وعلم أديان . فقال له : قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه . قال : وما هي ؟ قال : قوله { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصراني : ولا يؤثر عن رسولكم شيء في الطب فقال : قد جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة . قال : وما هي ؟ قال : قوله : «المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته » فقال : النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً .

/خ34