السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} (31)

{ يا بني آدم خذوا زينتكم } أي : ما يستر العورة والتجمل عند الاجتماع للعبادة { عند كل مسجد } أي : كلما صليتم أو طفتم وكانوا يطوفون عراة ، وعن طاووس رحمه الله : لم يأمرهم بالحرير والديباج وإنما أحدهم كان يطوف عرياناً ويضع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا : لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها ، وقيل : تفاؤلاً ليتعروا من الذنوب كما تعروا من الثياب ، وقيل : الزينة المشط ، وقيل : الطيب . والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئة للصلاة وكان بنو عامر في أيام حجهم لا يأكلون الطعام إلا قوتاً ولا يأكلون دسماً يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون : فإنا أحق أن نفعل فقيل لهم : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } بتحريم الحلال أو بالتعري في الطواف أو بإفراط الطعام أو الشره عليه ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك خصلتان سرف ومخيلة .

وروي أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين بن واقد : ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان : علم الأبدان وعلم الأديان ، فقال له : لقد جمع الله تعالى الطب كله في نصف آية من كتابه ، فقال : وما هي ؟ قال : قوله تعالى : { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } ( الأعراف ، 31 ) فقال النصراني : ولا يؤثر عن نبيكم شيء في الطب ؟ فقال : جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة ، قال : وما هي ؟ قال قوله : «المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء فأعط كل بدن ما عوّدته » فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً ) { إنه لا يحب المسرفين } أي : لا يرتضي فعلهم ففي الآية الوعيد الشديد على الإسراف .