المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

83- أيطلبون ديناً غير دين محمد وهو دين الأنبياء وهو - وحده - دين الله - الذي خضع له كل من في السماوات والأرض طوعاً بالإرادة والاختيار ، أو كرهاً بالخلق والتكوين ، وإليه - وحده - يرجع الخلق كله ؟ .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

قوله تعالى : { أفغير دين الله يبغون } . وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا ، فادعى كل واحد أنه على دين إبراهيم عليه السلام ، واختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم عليه السلام ، فغضبوا وقالوا : لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ، فأنزل الله تعالى : ( أفغير دين الله يبغون ) . قرأ أهل البصرة وحفص عن عاصم " يبغون " بالياء لقوله تعالى ( وأولئك هم الفاسقون ) وقرأ الآخرون بالتاء ، لقوله تعالى لما آتيتكم .

قوله تعالى : { وله أسلم }خضع وانقاد .

قوله تعالى : { من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } فالطوع : الانقياد والاتباع بسهولة ، والكره : ما كان بمشقة وإباء من النفس . واختلفوا في قوله طوعاً وكرها ، قال الحسن : أسلم أهل السماوات طوعاً ، وأسلم من في الأرض بعضهم طوعاً وبعضهم كرهاً ، خوفاً من السيف والسبي ، وقال مجاهد : طوعاً المؤمن ، وكرهاً ذلك الكافر ، بدليل ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال ) وقيل : هذا يوم الميثاق حين قال لهم ( ألست بربكم ؟ قالوا بلى ) فقال بعضهم : طوعاً وبعضهم : كرهاً ، وقال قتادة : المؤمن من أسلم طوعاً فنفعه الإيمان ، الكافر أسلم كرهاً في وقت اليأس فلم ينفعه الإسلام . قال الله تعالى ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) وقال الشعبي : هو استعاذتهم به عند اضطرارهم . كما قال الله تعالى ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) . وقال الكلبي : طوعاً الذي ولد في الإسلام ، وكرهاً الذي أجبروا على الإسلام ممن يسبى منهم فيجاء بهم في السلاسل .

قوله تعالى : { وإليه يرجعون } قرأ بالياء حفص عن عاصم ويعقوب ، كما قرأ يبغون بالياء . وقرأ الآخرون بالتاء فيهما إلا أبو عمرو فإنه قرأ

" يبغون " بالياء و " ترجعون " بالتاء ، قال : لأن الأول خاص والثاني عام ، لأن مرجع جميع الخلق إلى الله عز وجل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

أي : أيطلب الطالبون ويرغب الراغبون في غير دين الله ؟ لا يحسن هذا ولا يليق ، لأنه لا أحسن دينا من دين الله { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } أي : الخلق كلهم منقادون بتسخيره مستسلمون له طوعا واختيارا ، وهم المؤمنون المسلمون المنقادون لعبادة ربهم ، وكرها وهم سائر الخلق ، حتى الكافرون مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عنه ، ولا امتناع لهم منه ، وإليه مرجع الخلائق كلها ، فيحكم بينهم ويجازيهم بحكمه الدائر بين الفضل والعدل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

وبعد أن بين - سبحانه - أن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم حق لا ريب فيه ، وأنه واجب على جميع من مضى من الأنبياء والأمم ، عقب ذلك ببيان أن كل من كره الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يكون بعيدا عن الدين الحق ، مستحقا للعقاب الأليم فقال - تعالى - { أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } .

والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، وهمزة الاستفهام داخلة على فعل محذوف ، والفاء الداخلة على " غير " عاطفة لجملة { يَبْغُونَ } على ذلك المحذوف الذى دل عليه الاستفهام وعينه المقام .

والمعنى : أيتولون عن الإيمان بعد هذا البيان فيبغون دينا غير دين الله الذى هو الإسلام .

ومعنى { يَبْغُونَ } يطلبون . يقال بغى الأمر يبغيه بغاء - بضم الباء - أى طلبه . وقوله - تعالى - { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً } جملة حالية . أى أيبغون دينا غير دين الله والحال أن الله - تعالى - استسلم وانقاد وخضع له من فى السموات والأرض طوعا وكرها . أى طائعين وكارهين فهما مصدران فى موضع الحال .

والمراد أن كل من فى السموات والأرض قد انقادوا وخضعوا لله - تعالى - إما عن طواعية واختيار وهم المؤمنون لأنهم راضون فى كل الأحوال بقضائه وقدره ، ومستجيبون له فى المنشط والمكره والعسر واليسر . وإما عن تسخير وقهر وهم الكافرون لأنهم واقعون تحت سلطانه العظيم وقدرته النافذة ، فهم مع كفرهم لا يستطيعون دفع قضائه - سبحانه - وإذن فهم خاضعون لسلطانه - عز وجل - لأنهم لا سبيل لهم ولا لغيرهم إلى الامتناع عن دفع ما يريده بهم .

هذا ، وقد ساق الفخر الرازى جملة آراء فى معنى الآية الكريمة ثم اختار أحدها فقال ما ملخصه : فى خضوع من فى السموات والأرض لله وجوه : أصحها عندى أن كل ما سوى الله - سبحانه - ممكن لذاته ، ولك ممكن لذاته فإنه لا يوجد إلا بإيجاده ، ولا يعدم إلا بإعدامه ، فإن كل ما سوى الله فهو منقاد خاضع لجلال الله فى طرفى وجوده وعدمه . وهذا هو نهاية الخضوع والانقياد . ثم إن فى هذا الوجه لطيفة آخرى : وهى أن قوله

{ وَلَهُ أَسْلَمَ } يفيد الحصر ، أى وله كل ما فى السموات والأرض لا لغيره .

فهذه الآية تفيد أن واجب الوجود واحد ، وأن كل ما سواه فإنه لا يوجد إلا بتكوينه ، ولا يفنى إلا بإفنائه والآيات فى هذا المعنى كثيرة .

وقوله { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } أى إليه وحده يرجع الخلق فيجازى كل مخلوق بما يستحقه من خير أو شر .

ففى الجملة الكريمة تحذير من الإعراض عن دينه ، لأنه ما دام مرجع الخلق جميعا إليه - سبحانه - فعلى العاقل أن يسلم نفسه إلى خالقه اختياراً قبل أن يسلمها اضطرارا ، وأن يستجيب لأوامره ونواهيه ، حتى ينال رضاه .

وبذلك تكون هذه الآيات الكريمة قد أقامت للناس الأدلة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم وأمرتهم بالدخول فى دينه ، وحذرتهم من الإعراض عنه بأجلى بيان وأقوى برهان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

وقرأ أبو عمرو : «يَبغون » بالياء مفتوحة ، «تُرجعون » بالتاء مضمومة ، وقرأ عاصم ، «يبغون » و «يرجعون » بالياء معجمة من تحت فيهما ، وقرأ الباقون بالتاء فيهما ، ووجوه هذه القراءات لا تخفى بأدنى تأمل و { تبغون } معناه : تطلبون ، و{ أسلم } في هذه الآية بمعنى : استسلم عند جمهور المفسرين ، و{ من } في هذه الآية تعم الملائكة والثقلين ، واختلفوا في معنى قوله { طوعاً وكرهاً } فقال مجاهد : هذه الآية كقوله تعالى :

{ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله }{[3300]} فالمعنى أن إقرار كل كافر بالصانع هو إسلام كرهاً .

قال الفقيه الإمام أبو محمد : فهذا عموم في لفظ الآية ، لأنه لا يبقى من لا يسلم على هذا التأويل و{ أسلم } فيه بمعنى استسلم ، وقال بمثل هذا القول أبو العالية رفيع ، وعبارته رحمه الله : كل آدمي فقد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده ، فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهاً ، ومن أخلص فهذا الذي أسلم طوعاً ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بل إسلام الكاره منهم كان حين أخذ الميثاق ، وروي عن مجاهد أنه قال : الكره في هذه الآية هو بسجود ظل الكافر فيسجد المؤمن طوعاً ويسجد الكافر وهو كاره ، وقال الشعبي : الآية عبارة عن استقادة جميع البشر لله وإذعانهم لقدرته وإن نسب بعضهم الألوهية إلى غيره ، وذلك هو الذي يسجد كرهاً .

قال الفقيه الإمام : وهذا هو قول مجاهد وأبي العالية المتقدم وإن اختلفت العبارات ، وقال الحسن بن أبي الحسن : معنى الآية : أنه أسلم قوم طوعاً ، وأسلم قوم خوف السيف ، وقال مطر الوراق : أسلمت الملائكة طوعاً ، وكذلك الأنصار وبنو سليم وعبد القيس ، وأسلم سائر الناس كرهاً حذر القتال والسيف{[3301]} .

قال الفقيه الإمام : وهذا قول الإسلام فيه هو الذي في ضمنه الإيمان ، والآية ظاهرها العموم ومعناها الخصوص ، إذ من أهل الأرض من لم يسلم طوعاً ولا كرهاً على هذا حد ، وقال قتادة : الإسلام كرهاً هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه .

قال الفقيه الإمام : ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك ، وهذا غير موجود إلا في أفراد ، والمعنى في هذه الآية ، يفهم كل ناظر أن هذا القسم الذي هو الكره إنما هو في أهل الأرض خاصة ، والتوقيف بقوله { أفغَير } إنما هو لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكفار ، وقرأ أبو بكر عن عاصم ، «أُصري » ، بضم الألف وهي لغة .


[3300]:- من الآية (25) من سورة لقمان، ومن الآية 38 من سورة الزمر.
[3301]:- أخرجه الطبري في تفسيره، وأخرج الديلمي عن أنس نحوه، (فتح القدير: 1/336)