ثم وبخ من خرج من دين الله إلى غيره بإدخال همزة الاستفهام على الفاء العاطفة فقال : { أفغير دين الله يبغون } ويحتمل أن يراد أيتولون فغير دين الله يبغون { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون } من قرأ بتاء الخطاب فيهما فلأن ما قبله خطاب في " أقررتم " و
" أخذتم " أو للالتفات بعد قوله { أولئك هم الفاسقون } ومن قرأ بياء الغيبة فلرجوع الضمير في الأول إلى الفاسقين ، وفي الثاني إلى جميع المكلفين . والأصل أفتبتغون غير دين الله ؟ لأن الاستفهام إنما يكون عن الحوادث إلا أنه قدم المفعول لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذي هو فائدة الهمزة ههنا متوجه إلى الدين الباطل . وعن ابن عباس أن أهل الكتابين اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا فيه من دين إبراهيم ، فكل واحد من الفريقين ادعى أنه أولى به فقال صلى الله عليه وسلم : كل الفريقين بريء من دين إبراهيم . فقالوا : ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك فنزلت . وعلى هذا تكون الآية كالمنقطعة عما قبلها ، ولكن الاستفهام على سبيل الإنكار يقتضي تعلقها بما قبلها ، فالوجه أن هذا الميثاق لما كان مذكوراً في كتبهم ولم يكن لكفرهم سبب إلا مجرد البغي والعناد ، كانوا طالبين ديناً غير دين الله ، فاستنكر أن يفعلوا ذلك أو قرر أنهم يفعلون . ثم بيّن أن الإعراض عن دين الله خارج عن قضية العقل ، وكيف لا وقد أخلص له تعالى الانقياد وخصص له الخضوع كل من سواه ، لأن ما عداه كل ممكن وكل ممكن لذاته فإنه لا يوجد إلا بإيجاده ولا يعدم إلا بإعدامه ، فهو ذليل بين يدي قدرته ، خاضع لجلال قدرة في طرفي وجوده وعدمه عقلاً كان أو نفساً أو روحاً أو جسماً أو جوهراً أو عرضاً أو فاعلاً أو فعلاً . ونظير الآية { ولله يسجد من في السماوات والأرض }[ الرعد :15 ] فلا سبيل لأحد إلى الامتناع عن مراده { طوعاً وكرهاً } وهما مصدران وقعا موقع الحال لأنهما من جنس الفعل أي طائعين وكارهين كقولك : أتاني راكضاً أي راكضا . ولو قلت أتاني كلاماً أي متكلماً لم يجز لأن الكلام ليس من جنس الإتيان . فالمسلمون الصالحون ينقادون لله طوعاً فيما يتعلق بالدين وكرهاً في غيره من الآلام والمكاره التي تحالف طباعهم ، لأنهم لا يمكنهم دفع قضائه وقدره . وأما الكافرون فينقادون في الدين كرهاً أي خوفاً من السيف أو عند الموت أو نزول العذاب . وعن الحسن : الطوع لأهل السماوات ، والكره لأهل الأرض . أقول : وذلك لأن السفلي ينجذب بالطبع إلى السفل فحمله نفسه على ما يخالف طبعه هو الكره . وبلسان الصوفية من شاهد الجمال أسلم طوعاً ، ومن شاهد الجلال أسلم كرهاً . فليس الاعتبار بذلك الإسلام الفطري بل الاعتبار بهذا الإسلام الكسبي { وإليه ترجعون } أي إلى حيث لا مالك سواه ظاهراً وباطناً ، وفيه وعيد شديد لمن خالف الدين الحق إلى غيره . ثم إنه سبحانه لما بين أخذ الميثاق على الأنبياء في تصديق كل رسول كان قبله ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليعرف منه غاية إذعانه ونهاية استسلامه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.