بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

وقوله تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ } قال الكلبي : وذلك أن كعب بن الأشرف وأصحابه اختصموا مع النصارى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . فقالوا : أينا أحق بدين إبراهيم ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « كِلاَ الفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِهِ » فقالوا : ما نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك ، فنزل قوله تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ } أي يطلبون ، قرأ عاصم في رواية حفص { يَبْغُونَ } { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } كلاهما بالياء . وقرأ أبو عمرو

{ يبغون } بالياء ، وإليه { ترجعون } بالتاء ، وقرأ الباقون كلاهما بالتاء على معنى المخاطبة ، فمن قرأ بالياء ، يعني أفغير دين الله يطلبون من عندك ، ومن قرأ بالتاء يعني أفغير دين الله تطلبون ، { وَلَهُ أَسْلَمَ } ، أي أخلص وخضع { مَن في السماوات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا } .

قال الكلبي : أما أهل السموات ، فأسلموا لله طائعين ، وأما أهل الأرض ، فمن ولد في الإسلام أسلم طوعاً ، ومن أبى قُوتِل حتى دخل في الإسلام كرهاً ، وما أفاء الله عليهم مما يسبون ، فيجاء بهم في السلاسل ، فيكرهون على الإسلام . وقال مجاهد : يسجد ظل المسلم ووجهه طائع ، ويسجد ظل الكافر ، وهو كاره . وقال مقاتل : وله أسلم من في السموات ، يعني الملائكة والأرض ، يعني المؤمنين طوعاً وكرهاً ، يعني أهل الأديان يقولون الله ربكم وخالقكم ، فذلك إسلامهم ، وهم مشركون معنى قوله : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السماوات والأرض } يعني خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم ، لا يمتنع ممتنع من جبلة ما جبل عليها ، ولا يقدر على تغيير ما خلق عليها طوعاً وكرهاً . ثم قال : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } كما خلقكم ، أي كما بدأكم فلا تقدرون على الامتناع ، كذلك يبعثكم كما بدأكم . قرأ عاصم في رواية حفص { يرجعون } ، وقرأ الباقون بالتاء .