الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (83)

قال النووي : ورُوِّينَا في كتاب ابن السُّنِّيِّ ، عن السَّيِّدِ الجليلِ المُجْمَعِ على جلالته ، وحِفْظِهِ ، ودِيَانَتِهِ ، وَوَرَعِهِ ، يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ البَصْرِيِّ الشَّافِعِيِّ المشهور ، أنه قَالَ : لَيس رجُلٌ يكونُ على دابَّة صَعْبَةٍ ، فيقول في أذنها : { أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السموات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }[ آل عمران :83 ] إلا وقَفَتْ بإذن اللَّه تعالى .

وروِّينَا في كتاب ابن السُّنِّيِّ ، عن ابن مَسْعودٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( إذَا انفلتت دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ ، فَلْيُنَاد : يَا عِبَادَ اللَّهِ ، احبسوا ، يَا عِبَادَ اللَّهِ ، احبسوا ، فَإنَّ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فِي الأَرْضِ حَاضِراً سَيَحْبِسُهَا ) قال النَّوويُّ : حكى لِي بعُضْ شُيُوخِنا ، أَنَّهُ انفلتت لَهُ دَابَّةٌ أَظْنُّهَا بَغْلَةً ، وَكَانَ يعرفُ هذا الحديثَ ، فقالَهُ ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ في الحَالِ ، وكنْتُ أَنَا مرَّةً مع جماعةٍ ، فانفلتت منَّا بهيمةٌ ، فَعَجَزُوا عَنْها ، فَقُلْتُهُ ، فوقَفَتْ في الحال بغَيْر سَبَبٍ سوى هذا الكلامِ ، اه .

وَ{ أَسْلَمَ } معناه : استسلم عند الجمهور .

واختلفوا في معنى قوله : { طَوْعاً وَكَرْهاً } ، فقال مجاهد : هذه الآيةُ كقوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ] فالمعنى : أنَّ إقرار كلِّ كافرٍ بالصانعِ ، هو إسلامٌ كرهاً ، ونحوه لأبي العالية ، وعبارته : كُلُّ آدمِيِّ ، فقد أقرَّ على نفسه ، بأنَّ اللَّه رَبِّي ، وأنا عبده ، فمَنْ أشرك في عبادته ، فهو الذي أسلم كرهاً ، ومن أخلَص ، فهو الذي أسلم طَوْعاً .

قال ( ع ) : والمعنى في هذه الآية يفهم كلُّ ناظر أنَّ الكره خاصٌّ بأهل الأرض .

وقوله سبحانه : { أَفَغَيْرَ دِينِ الله }[ آل عمران :83 ] .

توقيفٌ لمعاصرِي نبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكُفَّار .