قوله تعالى : { ومثل كلمة خبيثة } ، وهي الشرك ، { كشجرة خبيثة } ، وهي الحنظل . وقيل : هي الثوم . وقيل : هي الكشوث ، وهي العشقة ، { اجتثت } ، يعني انقلعت ، { من فوق الأرض ما لها من قرار } ، ثبات . معناه : ليس لها أصل ثابت في الأرض ، ولا فرع صاعد إلى السماء ، كذلك الكافر لا خير فيه ، ولا يصعد له قول طيب ولا عمل صالح .
ثم ذكر ضدها وهي كلمة الكفر وفروعها فقال : { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } المأكل والمطعم وهي : شجرة الحنظل ونحوها ، { اجْتُثَّتْ } هذه الشجرة { مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } أي : من ثبوت فلا عروق تمسكها ، ولا ثمرة صالحة ، تنتجها ، بل إن وجد فيها ثمرة ، فهي ثمرة خبيثة ، كذلك كلمة الكفر والمعاصي ، ليس لها ثبوت نافع في القلب ، ولا تثمر إلا كل قول خبيث وعمل خبيث يستضر به صاحبه ، ولا ينتفع ، فلا يصعد إلى الله منه عمل صالح ولا ينفع نفسه ، ولا ينتفع به غيره .
وبعد أن بين - سبحانه - مثال كلمة الإِيمان ، أتبعه بمثال كلمة الكفر فقال : { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } وهى كلمة الكفر .
{ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } أى قبيحة لا نفع فيها ، ولا خبر يرجى منها .
{ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض } أى : اقتلعت جثتها وهيئتها من فوق الأرض ، لقرب عروقها وجذورها من سطحها .
يقال : اجتثثت الشئ اجتثاثا ، إذا اقتلعته واستأصلته ، وهو افتعال من لفظ الجثة وهى ذات الشئ .
وقوله : { مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن اجتثاث الشئ بسهولة ، سببه عدم وجود أصل له .
أى : ليس لها استقرار وثبات على الأرض ، وكذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شئ .
والمراد بهذه الشجرة الخبيثة : شجرة الحنظل فعن أنس بن مالك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هى الحنظلة . . . " .
وقيل : شجرة الثوم ، وقيل : شجرة الشوك . . . وقيل كل شجر لا يطيب له ثمر ، وفى رواية عن ابن عباس أنها شجرة لم تخلق على الأرض . .
وقال : ابن عطية : الظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة جامعة لتلك الأوصاف التى وصفها الله بها .
وقوله : { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } هذا مثل كفر الكافر ، لا أصل له ولا ثبات ، وشبه بشجرة الحنظل ، ويقال لها : " الشريان " . [ رواه شعبة ، عن معاوية بن قُرَّة ، عن أنس بن مالك : أنها شجرة الحنظل ]{[15826]} .
وقال أبو بكر البزار الحافظ : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس - أحسَبه رفعه - قال : " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " ، قال : هي النخلة ، { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } قال : هي الشّرْيان{[15827]} .
ثم رواه عن محمد بن المثنى ، عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن معاوية ، عن أنس موقوفا{[15828]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - عن شعيب بن الحَبْحاب عن أنس بن مالك ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة " هي الحنظلة " . فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : هكذا كنا نسمع .
ورواه ابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة ، به{[15829]} ورواه أبو يعلى في مسنده بأبسط من هذا فقال :
حدثنا غسان ، عن حماد ، عن شعيب ، عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقناع عليه بُسْر ، فقال : ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال : " هي النخلة " { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } قال : " هي الحنظل " {[15830]} قال شعيب : فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : كذلك كنا نسمع{[15831]} .
وقوله : { اجْتُثَّتْ } أي : استؤصلت { مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } أي : لا أصل لها ولا ثبات ، كذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شيء .
{ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } كمثل شجرة خبيثة { اجتُثّت } استؤصلت وأخذت جئتها بالكلية . { من فوق الأرض } لأن عروقها قريبة منه . { ما لها من قرار } استقرار . واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة : بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن ، والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى الكفر وتكذيب الحق ، ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح ، والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة . وروي ذلك مرفوعا وبشجرة في الجنة ، والخبيثة بالحنظلة والكشوث ، ولعل المراد بهما أيضا ما يعم ذلك .
وحكى الكسائي والفراء : أن في قراءة أبي بن كعب «وضرب الله مثلاً كلمة خبيثة »{[7069]} ، و «الكلمة الخبيثة » هي كلمة الكفر وما قاربها من كلام السوء في الظلم ونحوه . و { الشجرة الخبيثة } قال أكثر المفسرين هي شجرة الحنظل -قاله أنس بن مالك ورواه عن النبي عليه السلام{[7070]} ، وهذا عندي على جهة المثال . وقالت فرقة : هي الثوم ، وقال الزجاج : قيل هي الكشوت .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذه الأقوال من الاعتراض : أن هذه كلها من النجم{[7071]} وليست من الشجر ، والله تعالى إنما مثل بالشجرة فلا تسمى هذه إلا بتجوز ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوم والبصل : من أكل من هذه الشجرة{[7072]} ، وأيضاً فإن هذه كلها ضعيفة وإن لم تجتث ، اللهم إلا أن تقول : اجتثت بالخلقة .
وقال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله ولم يخلق هذه الشجرة على وجه الأرض .
والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف . فالخبث هو أن تكون كالعضاة ، أو كشجر السموم أو نحوها . إذا اجتثت - أي اقتلعت ، حيث جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهاء والضعف فتقلبها أقل ريح . فالكافر يرى أن بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه ، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع وهي خبيثة الجني غير باقية .
جملة { اجتثت من فوق الأرض } صفة ل { شجرة خبيثة } لأن الناس لا يتركونها تلتف على الأشجار فتقتلها . والاجتثاث : قطع الشيء كلّه ، مشتق من الجُثة وهي الذات . و { من فوق الأرض } تصوير ل { اجتثت } . وهذا مقابل قوله في صفة الشجرة الطيبة { أصلها ثابت وفرعها في السماء .
وجملة { ما لها من قرار } تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن الاجتثاث من انعدام القرار .
والأظهر أن المراد بالكلمة الطيّبة القرآن وإرشاده ، وبالكلمة الخبيثة تعاليم أهل الشرك وعقائدهم ، ف ( الكلمة ) في الموضعين مطلقة على القول والكلام ، كما دل عليه قوله : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } . والمقصود مَعَ التمثيل إظهارُ المقابلة بين الحالين إلا أن الغرض في هذا المقام بتمثيل كل حالة على حدة بخلاف ما يأتي عند قوله تعالى في سورة النحل { ضرب الله مثلا عبداً مملوكا إلى قوله ومن رزقناه منا رزقاً حسناً ، فانظر بيانه هنالك .
وجملة { ويضرب الله الأمثال للناس } معترضة بين الجملتين المتعاطفتين . والواو واو الاعتراض . ومعنى ( لعل ) رجاء تذكرهم ، أي تهيئة التذكر لهم ، وقد مضت نظائرها .