{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
يخبر تعالى أنه لا يستوي من كان قصده رضوان ربه ، والعمل على ما يرضيه ، كمن ليس كذلك ، ممن هو مكب على المعاصي ، مسخط لربه ، هذان لا يستويان في حكم الله ، وحكمة الله ، وفي فطر عباد الله .
ثم أكد - سبحانه - نفى الظلم عن ذاته فقال : { أَفَمَنِ اتبع رِضْوَانَ الله } بأن واظب على ما يرضيه ، والتزم طاعته ، وترك كل ما نهى عنه من غلول وغيره { كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ الله } أى كمن رجع بغضب عظيم عليه من الله بسبب غلوله وخيانته وارتكابه لما نهى الله عنه من أقوال وأفعال ؟
فالآية الكريمة تفريع على قوله - تعالى - قبل ذلك { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وتأكيد لبيان أنه لا يستوى المحسن والمسىء والأمين والخائن .
والاستفهام إنكارى بمعنى النفى ، أى لا يستوى من اتبع رضوان الله مع من باء بسخط منه .
وقد ساق - سبحانه - هذا الكلام الحكيم بصيغة الاستفهام الإنكارى ، للتنبيه على أن عدم المساواة بين المسحن والمسىء أمر بدهى واضح لا تختلف فيه العقول والأفهام ، وأن أى إنسان عاقل لو سئل عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوى من اتبع رضوان الله مع من رجع بسخط عظيم منه بسبب كفره أو فسقه وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } وقوله { أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض } والفاء فى قوله { أَفَمَنِ اتبع } للعطف على محذوف والتقدير ، أمن اتقى فاتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ؟
ثم أعقب - سبحانه - ذكر سخطه بذكر عقوبته فقال : { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير } أى أن هذا الذى رجع بغضب عظيم عليه من الله - تعالى - بسبب كفره أو فسوقه أو خيانته ، سيكون مثواه ومصيره إلى النار وبئس ذلك المصير الذى صار إليه وكان له مرجعا ونهاية .
وقوله : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : لا يستوي من اتبع رضوان الله فيما شرعه ، فاستحق رضوان الله وجزيل ثوابه وأُجِير من وَبِيل عقابه ، ومن استحق غضب الله وألزم به ، فلا محيد له عنه ، ومأواه يوم القيامة جهنم وبئس المصير .
وهذه لها نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } [ الرعد : 19 ] وكقوله { أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ] {[6097]} } [ القصص : 61 ] .
وقوله تعالى : { أفمن اتبع رضوان الله } الآية ، توقيف على تباين المنزلتين وافتراق الحالتين ، والرضوان : مصدر ، وقرأه عاصم - فيما روي عنه - بضم الراء - وقرأ جميعهم بكسرها ، وحكى أبو عمرو الداني عن الأعمش ، أنه قرأها - بكسر الراء وضم الضاد ، وهذا كله بمعنى واحد مصدر من الرضى ، والمعنى ، اتبعوا الطاعة الكفيلة برضوان الله ، ففي الكلام حذف مضاف{[3693]} ، و { باء بسخط } - معناه : مضى متحملاً له ، والسخط : صفة فعل ، وقد تتردد متى لحظ فيها معنى الإرادة ، وقال الضحاك : إن هذه الآية مشيرة إلى أن من لم يغل واتقى فله الرضوان ، وإلى أن من غل وعصى فله السخط ، وقال غيره : هي مشيرة إلى أن من استشهد - بأحد - فله الرضوان ، وإلى المنافقين الراجعين عن النبي صلى الله عليه وسلم فلهم السخط ، وباقي الآية بّين .
تفريع على قوله : { ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } فهو كالبيان لتوفية كلّ نفس بما كسبت .
والاستفهام إنكار للمماثلة المستفادة من كاف التَّشبيه فهو بمعنى لا يستوون . والاتِّباع هنا بمعنى التطلّب : شبه حَال المتوّخي بأفعاله رضَى الله بحال المتطلِّب لطِلْبَة فهو يتبعها حيث حلّ ليقتنصها ، وفي هذا التَّشبيه حسن التنبيه على أنّ التحصيل على رضوان الله تعالى محتاج إلى فرط اهتمام ، وفي فعل ( باء ) من قوله : { كمن بآء بسخط من الله } تمثيل لحال صاحب المعاصي بالَّذي خرج يطلب ما ينفعه فرجع بما يضرّه ، أو رجع بالخيبة كما تقدّم في معنى قوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) . وقد علم من هذه المقابلة حال أهل الطاعة وأهل المعصية ، أوْ أهلِ الإيمان وأهلِ الكفر .